الصفحة الرئيسة سجل الزوار تواصل معنا

المقالات

في رحاب الشهر
في رحاب الدعاء
أعمال الليالي
أعمال الأيام
حدائق الأيام الرمضانية
شهر رمضان برنامج رسالي
فقه الصوم
ليالي القدر
يوم القدس العالمي
عيد الفطر

المكتبة

الأعمال والمناسك
الأربعون حديثاً
الآداب والسنن
الفقه الموضوعي
زاد المبلغ
الفكر والنهج الخميني
متفرقات

المكتبة الصوتية

أدعية شهر رمضان
أدعية أيام شهر رمضان
الأناشيد
الأمسيات القرآنية
ترتيل القرآن

المكتبة الفنية

لوحات فنية
مخطوطات
عيد الفطر
   
   

 

حقيقة الصوم

اعلم ان الصوم اجره عظيم، و ثوابه جسيم، و ما يدل على فضله من الآيات و الاخبار اكثر من ان يحصى، و هي معروفة مشهورة، فلا حاجة الى ذكرها، فلنشر الى ما يتعلق به من الامور الباطنة:

(ما ينبغي للصائم)

ينبغي للصائم ان يغض بصره عن كل ما يحرم النظر اليه، او يكره، او يشغل القلب و يلهيه عن ذكر الله تعالى، و يحفظ اللسان عن جميع آفاته المتقدمة، و يكف السمع عن كل ما يحرم او يكره استماعه، و يكف بطنه عن الحرام و الشبهات، و يكف سائر جوارحه عن المكاره. و قد ورد في اشتراط جميع ذلك في الصوم في ترتب كمال الثواب عليه اخبار كثيرة. و ينبغي ايضا الا يستكثر من الحلال وقت الافطار بحيث‏يمتلي‏ء، اذ ما من وعاء ابغض الى الله عز و جل من بطن ملى‏ء من حلال، كيف و السر في شرع الصوم قهر عدو الله، و كسر الشهوة و الهوى، لتتقوى النفس على التقوى، و ترتقى من حضيض حظوظ النفس البهيمية الى ذروة التشبيه بالملائكة الروحانية، و كيف يحصل ذلك اذا تدارك الصائم عند الافطار ما فاته ضحوة نهاره، لا سيما اذا زيد عليه في الوان الطعام، كما استمرت العادات في هذه الاعصار، و ربما يؤكل من الاطعمة في شهر رمضان ما لا يؤكل فى عدة شهور. و لا ريب في ان المعدة اذا خليت من ضحوة النهار الى العشاء، حتى هاجت‏شهوتها و قويت رغبتها، ثم اطعمت من اللذات، و اشبعت من الوان المطاعم، و جمع ما كان ياكل ضحوة الى ما ياكل ليلا، و اكل الجميع في الليل مرة او مرتين او اكثر، زادت لذتها، و تضاعفت قوتها، و انبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها، فلا يحصل ما هو المقصود من الصوم، اعني تضعيف القوى الشهوية التي هي وسائل الشيطان، فلا بد من التقليل، و هو ان ياكل في مجموع الليلة اكلته التي كان ياكلها كل ليلة لو لم يصم، من دون ضم مما ياكل في النهار اليه، حتى ينتفع بصومه. و الحاصل: ان روح الصوم و سره، و الغرض الاصلي منه: التخلق بخلق من اخلاق الله تعالى، اعني الصمدية، و الاقتداء بالملائكة في الكلف عن الشهوات بقدر الامكان، و هذا انما يحصل بتقليل الاكل عما ياكله في غير وقت الصوم، فلا جدوى لمجرد تاخير اكلة و جمع اكلتين عند العشاء، ثم لو جعل سر الصوم ما يظهر من بعض الظواهر، من ادراك الاغنياء الم الجوع و الانتقال منه الى شدة حال الفقراء، فيبعثهم ذلك على مواساتهم بالاموال و الاقوات، فهو ايضا لا يتم بدون التقليل في الاكل.

(ما ينبغي للصائم عند الافطار)
ينبغي لكل صائم ان يكون قلبه بعد الافطار مضطربا، معلقا بين الخوف و الرجاء، اذ ليس يدري ايقبل صومه فهو من المقربين او يرد عليه فهو من الممقوتين، و ليكن الحال كذلك فى آخر كل عبادة يفرغ منها.

روى: "ان الامام ابا محمد الحسن المجتبى عليه السلام مر بقوم يوم العيد و هم يضحكون، فقال عليه السلام: ان الله تعالى جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه، يستبقون فيه لطاعته، فسبق اقوام ففازوا، و تخلف اقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون، و خاب فيه المبطلون، اما و الله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن باحسانه، و المسي‏ء عن اساءته! "، اي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، و حسرة المردود تسد عليه باب الضحك.

(درجات الصوم)

للصوم ثلاث درجات:

الاولى-صوم العموم: و هو كف البطن و الفرج عن قضاء الشهوة، و هذا لا يفيد ازيد من سقوط القضاء و الاستخلاص من العذاب.

الثانية-صوم الخصوص:
و هو الكف المذكور، مع كف البصر و السمع و اللسان و اليد و الرجل و سائر الجوارح عن المعاصي، و على هذا الصوم تترتب المثوبات الموعودة من صاحب الشرع.

الثالثة-صوم خصوص الخصوص: و هو الكفان المذكوران، مع صوم القلب عن الهمم الدنية، و الاخلاق الردية، و الافكار الدنيوية، و كفه عما سواه بالكلية، و يحصل افطر في هذا الصوم بالفكر في ما سوى الله و اليوم الآخر، و حاصل هذا الصوم اقبال بكنه الهمة على الله، و انصراف عن غير الله، و تلبس بمعنى قوله تعالى: "قل الله ثم ذرهم‏"، و هذا درجة الانبياء و الصديقين و المقربين، و يترتب عليه الوصول الى المشاهدة و اللقاء، و الفوز بما لا عين رات، و لا اذن سمعت، و لا خطر على قلب احد. و الى هذا الصوم أشار مولانا الصادق عليه السلام حيث قال: "قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الصوم جنة، اي ستر من آفات الدنيا و حجاب من عذاب الآخرة، فاذا صمت فانو بصومك كف النفس عن الشهوات، و قطع الهمة عن خطرات الشياطين، و انزل نفسك منزلة المرضى، و لا تشتهي طعاما و لا شرابا، و توقع في كل لحظة شفاءك من مرض الذنوب، و طهر باطنك من كل كدر و غفلة و ظلمة يقطعك عن معنى الإخلاص لوجه الله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله تعالى: الصوم لي و انا اجزى به.

و الصوم يميت مراد النفس و شهوة الطبع، و فيه صفاء القلب، و طهارة الجوارح، و عمارة الظاهر و الباطن، و الشكر على النعم و الاحسان الى الفقراء، و زيادة التضرع و الخشوع و البكاء، و حبل الالتجاء الى الله، و سبب انكسار الهمة، و تخفيف الحساب، و تضعيف الحسنات، و فيه من الفوائد ما لا يحصى و لا يعد، و كفى بما ذكرنا لمن عقله و وفق لاستعماله‏" (15).

تتميم

من صام شهر رمضان اخلاصا لله و تقربا اليه، و طهر باطنه من ذمائم الاخلاق، و كف ظاهره عن المعاصي و الآثام، و اجتنب عن الحرام، و لم ياكل الا الحلال، و لم يفرط في الاكل، و واظب على جملة من النوافل و الادعية و سائر الآداب المسنونة فيه، استحق للمغفرة و الخلاص عن عذاب الآخرة، بمقتضى الاخبار المتواترة. ثم ان كان من العوام، حصل له من صفاء النفس ما يوجب استجابة دعوته، و ان كان من اهل المعرفة، فعسى الشيطان لا يحوم على قلبه، فينكشف له شي‏ء من الملكوت، لا سيما في ليلة القدر، اذ هي الليلة التى تنكشف فيها الاسرار، و تفيض على القلوب الطاهرة الانوار، و المناط و العمدة في نيل ذلك تقليل الاكل بحيث‏يحس الم الجوع، اذ من جعل بين قلبه و بين صدره مخلاة من الطعام فهو محجوب عن عوالم الانوار، و يستحيل ان ينكشف له شي‏ء من الاسرار.


* جامع السعادات / العلامة النراقي_ الصوم.