الصفحة الرئيسة سجل الزوار تواصل معنا

المقالات

في رحاب الشهر
في رحاب الدعاء
أعمال الليالي
أعمال الأيام
حدائق الأيام الرمضانية
شهر رمضان برنامج رسالي
فقه الصوم
ليالي القدر
يوم القدس العالمي
عيد الفطر

المكتبة

الأعمال والمناسك
الأربعون حديثاً
الآداب والسنن
الفقه الموضوعي
زاد المبلغ
الفكر والنهج الخميني
متفرقات

المكتبة الصوتية

أدعية شهر رمضان
أدعية أيام شهر رمضان
الأناشيد
الأمسيات القرآنية
ترتيل القرآن

المكتبة الفنية

لوحات فنية
مخطوطات
عيد الفطر
   
   

 

مراقبات شهر ضيافة الله


﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون1.

تمهيد في فضل شهر رمضان المبارك
في كلِّ عام يطلُّ علينا الشهر العظيم، شهر رمضان المبارك، والّذي يعتبر فرصةً استثنائيَّةً علينا استغلالها واغتنامها خير إغتنام، ولا بدََّّ لمدرِك شهر الصيام معرفة حقِّه، وأنَّ هذا الشهر الكريم قد أكرم الله فيه السائلين إليه بالدعوة إلى ضيافته، فهو دار ضيافة الله، وأن يجهد بعد هذه المعرفة في تحصيل الإخلاص في حركاته وسكناته على وفق رضا صاحب الدَّار.

فوائد صيام البدن
لصوم البدن عن المفطِّرات- أي بمعنى الجوع- فوائد عميمةٌ للسَّالك في تكميل نفسه ومعرفته بربّه، وقد وردت في فضائله أشياءٌ عظيمة في الأخبار لا بأس بالإشارة إليها أوّلاً.

فقد رُوِيَ عن النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال:"جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش، فإنَّ الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله وإنَّه ليس من عمل أحبُّ إلى الله من جوع وعطش"2.

ورُوِيَ أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال لأسامة:" إن استطعت أن يأتيك ملك الموت وبطنك جائع، وكبدك ظمآن فافعل، فإنَّك تدرك بذلك أشرف المنازل، وتحلُّ مع النبيِّين، وتفرح بقدوم روحك الملائكة، ويصلّي عليك الجبّار"3.

وفي حديث المعراج:" ميراث الصوم قلَّة الأكل، وقلّة الكلام، ثمَّ قال في ميراث الصمت: إنَّها تورث الحكمة وهي تورث المعرفة، وتورث المعرفة اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح ؟ بعسر أم بيسر ؟ فهذا مقام الراضين؟

فمن عمل برضاي أُلزمه ثلاث خصال: شكراً لا يخالطه الجهل، وذكراً لا يخالطه النسيان، ومحبَّة لا يؤثر على محبَّتي حبّ المخلوقين، فإذا أحبَّني أحببته وحبَّبته إلى خلقي، وأفتح عين قلبه إلى جلالي وعظمتي، ولا أُخفي عليه علم خاصَّة خلقيِ، وأناجيه في ظلم الليل ونور النَّهار، حتّى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم،وأُسمعه كلامي وكلام ملائكتي وأُعرّفه سرّي الذي سترته عن خلقي ـ إلى أن قال: وأستغرقنّ عقله بمعرفتي، ولأقومنّ له مقام عقله، ثمّ لأهوّننَّ عليه الموت وسكراته، وحرارته وفزعه، حتى يساق إلى الجنَّة سوقاً، فإذا نزل به ملك الموت يقول: مرحباً بك وطوبى لك ثمَّ طوبى لك، إنَّ الله إليك لمشتاق ـ إلى أن قال ـ يقول: هذه جنّتي فتبحبح فيها، وهذا جواري فاسكنه.

فيقول الروح: إلهي عرَّفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك، وعزِّتك وجلالك، لو كان رضاك في أن أُقطَّع إرباً إرباً أو أُقتل سبعين قتلة بأشدّ ما يقتل النَّاس، لكان رضاك أحبُّ إليَّ ـ إلى أن قال ـ فقال الله عزّ وجل: وعزَّتي وجلالي لا أحجب بيني وبينك في وقت من الأوقات حتى تدخل عليّ أيّ وقت شئت، كذلك أفعل بأحبّائي"4.

أقول: في هذه الأخبار إشارة وتصريح بحكمة الجوع وفضيلته، ويكفي أن ننظر إلى ما ذكره علماء الأخلاق أخذاً من الأخبار من خواصّه وفوائده، وقد ذكروا له فوائد عظيمة: منها:

1- صفاء القلب:
فالجوع يهيِّء القلب لإدمان الفكر الموصل إلى المعرفة، وله نورٌ محسوس، ورُوِيَ في الحديث القدسيِّ:" يا أحمد إنَّ العبد إذا أجاع بطنه وحفظ لسانه علَّمته الحكمة وإن كان كافرا تكون حكمته حجَّةً عليه ووبالاً، وإن كان مؤمناً تكون حكمته له نوراً وبرهاناً وشفاءً ورحمةً، فيعلم ما لم يكن يعلم، ويبصر ما لم يكن يبصر، فأوَّل ما أُبصِّره عيوب نفسه حتى يشتغل عن عيوب غيره، وأبصِّره دقائق العلم حتى لا يدخل عليه الشيطان."5.

2- الانكسار والذلُّ لله تعالى:
وكذلك زوال الأشر والبطر، والفرح الذي هو مبدأ الطغيان فإذا ذلَّ النفس يسكن لربِّه ويخشع.

3- ضبط الشهوات:
والقوى التي تورث المعاصي وتوقع في الكبائر المهلكات، لأنَّ أغلب الكبائر تنشأ من شهوة الكلام، وشهوة الفرج، وضبط الشهوتين سببٌ للاعتصام من المهلكات.

4- دفع كثرة النوم المضيّعةِ للعمر:
الَّذي هو رأس مال الإنسان لتجارة الآخرة، وهو سبب للاستفادة من الوقت أكثر، ومعين للتهجُّد الباعث لوصول المقام المحمود قال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا6.

5- التمكّن من بذل المال والإطعام:
والصلة والبرّ، وبالجملة العبادات الماليّة كلّها، وما جاء في الكثير من الأخبار وما سيأتي معنا لاحقاً في فضل هذه العبادات.

حكم عظيمة
وبعد تعداد فوائد الجوع والصوم، والتفكّر فيها ينتج لدينا فوائد وحكم عظيمة:
منها: أنَّنا نعلم وجه اختيار الله تعالى لضيفه أن يجوع، لأنَّه لا نعمة أفضل من نعمة المعرفة والقرب واللِّقاء، والجوعُ من أسبابها القريبة.

وأنّ الصوم ليس تكليفا،ً بل هو تشريفٌ يوجب شكراً بحسبه، والمنّة لله تعالى في إيجابه علينا، ونعلم مكانة نداء الله تعالى لنا في كتابه في آية الصوم، ونشعر بالسعادة من النِّداء خصوصاً إذا علمنا أنَّه نداء ودعوة خاصة بنا لدار الوصول.

ومنها: أنَّنا إذا عرفنا الفائدة والحكمة من إيجاب الصوم، نعرف بذلك ما يكدِّره وما يصفِّيه، ونعلم معنى ما ورد فيه من أنَّ الصوم ليس من الطعام والشراب فقط، فإذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك.

ومنها: أنَّك تعرف أنّ النيّة بهذا العمل لا يليق أن يكون لدفع العقاب فقط، ولا يليق أن يكون لجلب ثواب جنّة النعيم وإنْ حُصِّلا به، بل حقّ نيَّة هذا العمل أنَّه مقرِّب من الله، وموصل إلى قربه وجواره ورضاه، وتلبية لندائه سبحانه وتعالى إلى المائدة الرحمانية، وأنَّ هذا العمل مُخْرِج للإنسان من أوصاف البهيمة ومقرِّب إلى صفات الروحانيين نفس التقرّب.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنَّ كلَّ ما يلحقك من الأحوال والأفعال والأقوال المبعّدة لك عن مراتب الحضور والتذكُّر، فهو مخالف لمراد مولاك من تشريفك بهذه الدعوة والضيافة، ولا ترضى أن تكون في دار ضيافة هذا الملك الجليل المنعم لك بهذا التشريف والتقريب، العالم بسرائرك وخطرات قلبك، غافلاً عنه وهو مراقب لك، ومعرضاً عنه وهو مقبلٌ عليك، بل إنَّ هذا في حكم العقل من القبائح العظيمة التي لا يرضى العاقل أن يعامل صديقه بذلك، ولكن كان من رفق الله وفضله لم يحرِّم مثال هذه الغفلات، وسامح عباده وكلّفهم دون وسعهم هذا، ولكنّ الكرام من العبيد أيضاً لا يعاملون ذلك مع سيّدهم عند كلِّ واجب وحرام، بل يعاملونه بما يقتضيه حقُّ السِّيادة والعبوديَّة، ويعدُّون من اقتصر بذلك من اللِّئام.

وبالجملة يعملون في صومهم بما وصى به الصادق عليه السلام وهي أمور: منها أن يكون حالك في صومك أن ترى نفسك مشرفاً للآخرة، ويكون حالك حال الخضوع والخشوع، والانكسار والذلَّة، ويكون حالك حال عبدٍ خائفٍ من مولاه، وقلبك طاهراً من العيوب، وباطنك من الحيل والمكر، وتتبرّأ إلى الله من كلِّ ما هو دونه، تخلص في صومك ولايتك لله، وتخاف من الله القهَّار حقَّ مخافته، وتبذل روحك وبدنك لله عزَّ وجلَّ في أيّام صومك، وتفرغ قلبك لمحبَّته وذكره، وبدنك للعمل بأوامره وما دعاك إليه، إلى غير ذلك ممّا أوصى به من حفظ الجوارح من المحذورات والمخالفات، ولا سيّما الِّلسان، حتّى المجادلة واليمين الصادقة،ثمّ قال في آخر الرواية: إن عملت بجميع ما بيَّنتُ لك فقد علمتَ بما يحقُّ على الصائم، وإن نقصت من ذلك فينقص من فضل صومك وثوابه بقدر ما نقصت ممّا ذكرت.

مراتب الصائمين
وهي ثلاثة:
1- صوم العوامّ: وهو بترك الطعام والشراب والنساء على ما قرَّره الفقهاء من واجباته ومحرَّماته.
2- صوم الخواصِّ: وهو ترك ذلك مع حفظ الجوارح من مخالفات الله جلَّ جلاله.
3- صوم خواصِّ الخواصِّ: وهو وترك كلِّ ما هو شاغل عن الله.

ولكلِّ واحد من المرتبتين الأخيرتين أصناف كثيرة، لا سيّما الأولى، فإنَّ أصنافه كثيرة لا تحصى بعدد مراتب أصحاب اليمين من المؤمنين، بل كلّ نفس منهم له حدٌّ خاصٌّ لا يشبه حدّ صاحبه، ومن أهل المراتب أيضاً من يقرب عمله من عمل من فوقه، وإن لم يكن منه.

وقد يقتسم الصائمون من جهة طعامهم وشرابهم إلى أصناف:
1- من يكون مأكله ومشربه من الحرام المعلوم، هذا مثله في بعض الوجوه مثل حمّال يحمل أثقال النَّاس إلى منازلهم، فالأجر لمالك الطعام، وله وزر ظلمه وغصبه، أو مثله مثل من ركب دابَّة مغصوبة إلى بيت الله وطاف بالبيت على هذه الدابَّة المغصوبة.

2- من يكون مأكله من الشبهات: وهو على قسمين، قسم يكون أخذ هذا المشتبه بالحرام الواقعيّ محلّلاً في الظاهر، وقسم لا يكون محلّلاً ولو في الظاهر، والأوّل يلحق في حكمه بمن يكون مأكله ومشربه من الحلال، وإن كان دونه بدرجة، والثاني بمن يأكل الحرام المعلوم وإن كان فوقه بدرجة.

3- من يكون مأكله حلالاً معلوماً ولكن يترف في كيفيّته بالألوان الكثيرة، وفي مقداره على حدّ الامتلاء، ومثله مثل خسيس الطبع الذي يشتغل في حضرة حبيبه بالالتذاذ بما يكرهه، وهو متوقّع أن لا يلتذّ بشيء غير ذكره وقربه، وهذا عبد خسيس لا يليق بمجالس الأحبَّاء، بل حقّهُ أن يُترك وما يلتذُّ به، وهو لأَن يعدّ عبد بطنه أولى من أن يعدَّ عبد ربِّه.

4- من يكون حدُّه في الكيفيَّة والمقدار فوق الإتراف، ويلحق بالإسراف والتبذير، هذا أيضاً في حكمه ملحق بمن يأكل الحرام المعلوم، وهو أيضاً بأن يعدّ عاصياً أحقّ من أن يعدَّ مطيعاً.

5- من يكون مأكله ومتقلّبه كلُّها محلَّلةً ولا يسرف ولا يترف بل يتواضع لله في مقدار طعامه وشرابه عن الحدّ المحلّل وغير المكروه.

فدرجاتهم عند ربِّهم المراقب لحفظ مجاهداتهم ومراقباتهم محفوظة مجزية مشكورة، ولا يظلمون فتيلاً، فيجزيهم ربُّهم بأحسنَ ما كانوا يعملون، ويزيدهم من فضله بغير حساب،﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ7 ، بل ولا خطر على قلب بشر.

واقتسموا أيضاً من جهة نيّات الإفطار والسحور على أصناف:
1- من يأكل فطوره وسحوره بلا نيَّة غير ما يقصده الآكلون بالطبع لدفع الجوع أو لذّة المأكول.
2- من يقصد مع ذلك أنَّه مستحبٌّ عند الله وأنَّه عون على قوَّة العبادة.
3- من لا يكون قصده من الإفطار والتسحّر إلا كونهما مطلوبين، للمولى، وعوناً على عبادته، ويراعي مع ذلك آدابه المطلوبة من الذِّكر والعبر والكيفيَّات، ويقرأ ما استحبَّ من قراءة القرآن والأدعية والحمد قبل الشروع وفي الأثناء وبعد الفراغ.

خاتمة
إنَّ الصوم الصحيح الكامل الذي شرَّع الله تعالى لحكمة تكميل نفس الصائم، هو ما يكون لا محالة تركاً لعصيان الجوارح كلّها، فإنَّ زاد الصائم مع ذلك ترك شغل القلب عن ذكر غير الله، وصام عن كلِّ ما سوى الله، فهو الأكمل، وإذا علم الإنسان حقيقة الصوم ودرجاته وحكمة تشريعه، فلا بدَّ له من الاجتناب عن كلّ معصية وحرام لأجل قبول صومه لا محالة، وإلاّ فهو مأخوذ مسؤول عن صوم جوارحه وليس عن معنى إسقاط القضاء8.

*اداب الصوم ، سلسلة الاداب والسنن، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- البقرة: 185
2- النراقي- محمَّد مهدي- جامع السعادات- الناشر: دار النعمان للطباعة والنشر- ج 2 ص 5
3- المجلسي-محمَّد باقر-بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة- ج 93 ص 258
4- المجلسي-محمَّد باقر-بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة- ج 74 ص 27 وما بعدها والحديث طويل له تتمة.
5- المجلسي-محمَّد باقر-بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة- ج 74 ص 29
6- الإسراء: 79
7- السجدة: 17
8- ما ورد في هذا الفصل هو تلخيص لما ورد في كتاب المراقبات لآية الله الشيخ جوادي ملكي التبريزي قدس الله روحك الزكية.