أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم سماحة الشيخ خليل رزق
ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي المروي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): "وَاَنَّ الِراحِلَ اِلَيْكَ قَريبُ الْمَسافَةِ، وَاَنَّكَ لا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إلاّ اَنْ تَحْجُبَهُمُ الاْعمالُ دُونَكَ".
خطاب ونداء على لسان إمام معصوم هو سيد الساجدين والعابدين يشير فيه إلى المسافة القريبة التي يحتاج إليها الإنسان عندما يريد الوصول إلى الله تعالى الذي لم يحجبه عن مخلوقاته إلاّ ذنوبهم وآثامهم.
وإذا ما أراد الإنسان مخاطبة ربّه، فإنه سبحانه وتعالى أقرب إليه من حبل الوريد، وإذا دعاه استجاب له: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾1.
رمضان شهر القرب من الله تعالى
فتح الله تعالى أبواباً لعباده، وجعل لهم طرقاً توصلهم إليه، وقرّبهم منه، وتزيل كل العوائق والحُجُب التي تمنعهم من ذلك.
شهر رمضان هو الميدان الذي فتح الله فيه أبواب الجنان، وأغلق أبواب النيران، وهو الشهر الذي ينبغي على الإنسان أن يستعيد فيه وصل ما انقطع، والسعي للقرب من الله تعالى فما هو القرب المطلوب تحقيقه؟ ومن هم المقرّبون من الله تعالى، وكيف هي وسائله؟ وما هي شروطه؟ أسئلة كثيرة تدور في هذا المحور الذي من خلال ما يمكن لنا معرفة كيفية القرب من الله تعالى.
ما هو القرب من الله تعالى
ليس المقصود من القرب الإلهي القرب المكاني الذي يتحقق بتقارب شيئين من حيث المكان، ولا القرب الزماني الذي يحصل بتقارب شيئين من حيث الزمان.
بل المراد والمقصود هو القرب الحقيقي الذي يظهر في النفس البشرية حيث تتكامل وترتقي على المستوى الروحي والمعنوي، لتبلغ الدرجات العليا في سيرها وسلوكها إلى الله تعالى كما يقول في كتابه الكريم: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ،كِتَابٌ مَّرْقُومٌ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾.2
فالنفس الإنسانية لا بد لها من حركتها على الصراط المستقيم من بلوغ هدفها وهو القرب من الله تعالى الذي هو غاية المنى.
من هم المقرّبون
يحدّد لنا القرآن الكريم في صريح آياته من هم المقرّبون من الله تعالى والذين نالوا هذه المرتبة الرفيعة والدرجة الكريمة وذلك في قوله تعالى: ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً، فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ،وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ،أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ،فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾.3
في الآية يقسم القرآن الكريم الناس يوم القيامة إلى فئات ثلاث:
1- أصحاب الميمنة: وهم السعداء، والذين كتبت لهم النجاة من العذاب يوم القيامة.
2- أصحاب المشأمة: وهم أولئك الذين فازوا وسعدوا ونالوا درجة القرب الإلهي.
ولم يصل هؤلاء إلى مقام القرب الإلهي إلاّ بعد القيام بخطوات عظيمة جعلتهم في ذلك المقام.
فهم أولئك الذي تجنّبوا كل المواطن التي توجب القرب من المعاصي والإنغماس بها، وواجهوا إغراءات الدنيا ووسوسات الشيطان، وصانوا أنفسهم عن كل الرذائل.
ويرسم لنا الإمام الصادق(عليه السلام) منهجاً واضحاً وهاماً يُبعدنا عن المعاصي حيث يقول: "مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله".4
وهم أولئك الذين زرعوا حبّ الله في قلوبهم، وفي الحديث القدسي: "يا بن عمران كذب من زعم أنّه يحّبني وإذا جنّه الليل نام عنّي أليس كلّ محبّ يحبُّ خلوة حبيبه".5
طرق الوصول إلى القرب الإلهي
الكل يدرك ويعلم بأنّ الطرق إلى الله تعالى هي بعدد أنفاس الخلائق، ولا يمكن لأي مخلوق أن يقسِّم رحمة الله تعالى وفق أهوائه ومبانيه، بل إنه تعالى قريب من عباده، غير محتجب عنهم، وهناك من يمنع نفسه من الوصول إليه ويضع الحواجز بينه وبين الله تعالى.
ومن وسائل القرب إليه تعالى:
التفكّر في الآيات الإلهية: فكلّ ظاهرة من ظواهر الكون تنطوي على آيات تدلّ على الله تعالى وتعّرفنا به، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾6.
العبادة والعمل الصالح: فالعبادة توأم الإيمان والمعرفة، والعبادة والأعمال الصالحة تجعل الإيمان أكثر تكاملاً، وكلّما أصبح أكثر كمالاً كلّما دنا من مقام القرب أكثر، فالعمل الصالح يرتقي بالإيمان عالياً حتّى ينال مقام القرب الإلهي.
يقول الله تعالى: ﴿.. إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ..﴾7.
الأذكار والأدعية: وهذا ما أكدت عليه الآيات والروايات، فعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " لما أُسري إلى السماء دخلت الجنّة، فرأيت ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضّة، وربمّا أمسكوا، فقلت لهم: مالكم ربّما بنيتم وربّما أمسكتم؟
فقالوا: حتى تجيئنا النفقة؟
فقلت لهم: وما نفقتكم؟
فقالوا: قول المؤمن في الدنيا: "سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، فإذا قال بنينا وإذا أمسك أمسكنا"8.
وفي رواية أنّه عقّب (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك بالقول: "ولكن إيّاكم أن ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها"9.
والحمد لله رب العالمين
1- سورة البقرة، الآية 186.
2- سورة المطففين، الآيات:18،19،20،21.
3- سورة الواقعة، الآيات:7،8،9،10،11،12.
4- الكافي، الكليني:ج2،ص136.
5- وسائل الشيعة،الحر العاملي:ج11،ص379.
6- سورة آل عمران، الآية 191.
7- سورة فاطر، الآية:10.
8- بحار الأنوار،المجلسي،ج90،ص170..
9- وسائل الشيعة(آل البيت)-الحر العاملي-ج7،ص187.
|