|
|
معرفة الله شرط أساسي في إستجابة الدعاء
من خطبة السيد حسن نصر الله في ليلة القدر الكبرى في: 9/7/2015
الدعاء باب معونة من الله رحمة بعباده
من جملة الأبواب التي فتحها الله سبحانه وتعالى للإنسان ليدخل منها ويحقق ما أحب في الدنيا والآخرة؛ من جملة الأسلحة ــ ويمكن تسميتها بالسلاح ــ التي زوّد الله سبحانه وتعالى بها الإنسان من أجل الدنيا والآخرة هو الدعاء.
الدعاء؛ ما معنى الدعاء. يعني أن يطلب أحدنا من الله؛ يسأل الله؛ يتكلم مع الله. هذا هو الدعاء. الله سبحانه وتعالى أعطانا؛ فتح لنا هذا الباب، وأعطانا هذه القدرة وهذه الإمكانية وقال: هذا الدعاء مثل أمور أخرى؛ أنا أعطيتكم إياها وفتحت لكم أبوابها. أنعمت عليكم بها لتصلوا إلى الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة. ولذلك من أعظم النعم الإلهية على الإنسان هو أنَّ الله عز وجل أذِن لنا بدعائه ومسألته وأن نجلس بين يديه وأن نكلمه وأن نخاطبه.
معرفة من نخاطب وندعو من شروط الدعاء
من الشروط الأساسية في الدعاء هو المعرفة. يعني، معرفة من نخاطب، معرفة مع من نتكلم. معرفة من نسأل، من ندعو.
وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة أنه في زمن أحد الأنبياء(عليهم السلام) كان قوم يدعون الله، الله لم يستجيب لهم. قصدوا النبي وسألوه عن سبب ذلك فقال لهم النبي: لأنكم لا تعرفون من تدعون. معرفة الله سبحانه وتعالى هي شرط أساسي وجوهري وركن في عملية الدعاء. وفي هذا الفعل العبادي؛ أنا لا أتكلم عن موضوع معقّد. وإنما هو موضوع بسيط جدا؛ الصغير والكبير يستطيع فهمه. عندما نقول: نريد أن ندعوه سبحانه وتعالى؛ يعني، من هو، ما هي صفات من أتينا لندعوه. من أتينا لنسألهُ ونطلب منه.
الله الذي نتوج إليه بحاجاتنا
أ ــ غني له ملك السموات والأرض
سأذكر مثلا شعبيا؛ إذا كان هناك فقير عطشانا، جائعا، وبلا مأوى ولا يملك من المال شيئا، وليس لديه عمل يعتاش منه؛ هو بأشد الحاجة لمن يساعده. السؤال: ممن يطلب المساعدة ؟ أيطلب من فقير مثله (يعني بيوقع المعتّر عالمعتّر). أبدا، بل سيفتش عن غني. سيطلب من غني يملك مالا يقضي عنه دينه ويستأجر له بيتا يأويه، ولديه طعام وماء فيطعمه ويسقيه. إذاً، الذي سيقصده ويطرق بابه بالضيعة أو بالمدينة أو بالحي يفترض به أن يكون غنيا. أليس كذلك ؟
ب ــ كريم جواد يعطي بغير حساب
ثانيا، هذا الغني يجب أن لا يكون بخيلا. لا يكفي أن يكون غنيا فقط. إذا كان غنيا لكنه بخيلا فلن تطلب منه. إذاً، لا بد أن يكون كريما جوادا يعطي بسخاء.
ج ــ لا يحتجب عن عباده وبابه مفتوح للسائلين
ثالثا، لا بد أن تعرف أنك حين تقصده هل سيفتح لك بابه أم لا؟ فقد يكون محتجبا. صحيح أنه غني وكريم وجواد لكنه مغلق بابه لا يلتقي بأحد ولا يرى أحدا. نعم، قد يراه أحد صدفة، فربما يساعده. حسنا؛ إذا كان بابه مفتوحا ودخلت إلى الدار هل سيستقبلك أم لا يستقبلك؟ موجود أم مسافر. يتواجد في بيته بشكل دائم أم لا. هو نائم أم مستيقظ؟ حسنا؛ هذا الغني هل هو هادئ أم متوتر؟ لأنه إذا كان متوترا فلن يساعدك. هل علاقتي بهذا الغني جيدة لا يشوبها شائبة أم أنني سبق وأن قتلت إبنه أو أطلقت النار على أخيه أو شتمت أبيه ؟ أيحسن أن أذهب إليه أم أن ما بيني وبينه من الإضطرابات والمشالكل ما يمنعني من ذلك؟ حسنا؛ وهل أطلب منه شيئا يقدر عليه أم أطلب منه "فيللا" وقطعة أرض ومهنة ومالا أتزوج به واقضي به ديني. يعني الطلبات يجب أن تكون طلبات متواضعة. لماذا ؟ لأن هذا الغني عندما يعطي تنقص خزنته، فلا بد أن يعطي بحساب. من جهة أخرى، إن كان لا يعرفني سيقول لي: لا بد أن أسأل عنك فأعرف إن كنت ذو سمعة طيبة أم لا. هل أنت حقا محتاج أم أنك تكذب؟ لذا فهو لن يلبي طلبي سريعا. ثم بعد ذلك لا أدري كيف ستكون المعلومات التي سيجمعها عني: هل هي صحيحة أم مغلوطة؟ وهكذا. . . بينما مع الله سبحانه وتعالى عندما نقصد بابه نحن الفقراء المحتاجون ــ وبإمكانكم أن تعمموا هذا على كل شيء ــ الله هو الغني. هذا يعني المعرفة. أن نعرف بأنَّ الله غني، وأنَّ أي غنى موجود في هذا الوجود هو من الله سبحانه وتعالى. أما البعض ــ كما اليهود ــ قالوا: إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء.
إذاً؛ أولاً، يجب أن تعرف أنَّ الله غني. هذا أحد جوانب بالمعرفة.
ثانيا، أنَّ الله سبحانه وتعالى الغني؛ هو أيضا كريم وهو جواد
ثالثا، أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يحتجب عن عباده:(لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنةٌ ولا نوم): لا ينام ولا يتعب ولا يملّ ولا يضجر ولا يغتاظ ولا ينفعل ولا هو غائب ولا مسافر ولا غير موجود؛ (حيٌ قيومٌ لا تأخذه سنةٌ ولا نوم). يجب أن تعرف ذلك. وعندما تدعوه وتطلب منه حاجتك لا يحتاج أن يسأل عنك. هو يعرف من تكون. فهو خالقك وأنت عبده. يعرف حقيقتك وجوهرك وماهيتك وماضيك وحاضرك والمستقبل الذي ستصير إليه. ويعرف حاجتك ويعرف مصلحتك ويعطيك قدر مصلحتك. هذا الله الغني لا تنفد خزائنه. لذلك، اطلب منه ما ترغب وتحب. ولتكن طموحاتك عالية فخزائنه لا تنفد. مع الله سبحانه وتعالى ــ حتى لو وجهك عنده مسودا: حتى لو كنت مذنبا أو مخطئا ــ تأتي إليه وتقف عند بابه وتقول: يا رب أنا أخطأت. أنا أذنبت أنا عصيت؛ سامحني. أنا آذيت عبادك؛ أدرت ظهري لأوامرك ونواهيك. أستغفر وأستشفع بعباده الصالحين الله يقبل مني. يسمع لي؛ لا يغلق الباب في وجهي ولا يطردني.
كذلك مثلاً، في موضوع المرض. كم من طبيب وكم من دواء ما عوفي المريض بهم. الله هو المعافي. الله هو الطبيب الذي يعرف حقيقة مرضي ويعرف الدواء الذي يشفيني ويعرف مصلحتي بالصحة وبالمرض: متى يجب أن يشفيني ويعافيني وكيف. وبابه مفتوح دائماً. عيادته لا تُقفل أبدا ولا تحتاج لزيارتها موعدا مسبقا. مثلاً؛ إذا قصد أحدهم زعيما ما ــ كما هي العادة في أيام الآحاد: عجقة وضجة ــ ترى هذا الزعيم يستمع لهذا ويكتب،ثم يستمع لذاك ويكتب. لا يستطيع أن يستمع لإثنين معا. هو يستطيع فقط أن يستمع لواحد إثر واحد. وإذا إهتم فإنه يهتم بشيء واحد فقط. لا يستطيع أن يتابع امرين أوعملين في الآن نفسه.
أما الله سبحانه وتعالى لا يشغله سمعٌ عن سمع، لا يغلّطه سؤالٌ عن سؤال أبداً. يستمع للكل. مليارات الأصوات تناجيه في وقت واحد فيسمعهم جميعا ويستجيب لهم معا، ويحل مشاكلهم بإرادته. هذا هو الله.
كيف نعرف من هو الذي ندعوه ؟ مثلاً،عندما نطلب النصر، لا نطلب من مهزوم. لا نطلب من ضعيف أو من عاجز. وإنما نبحث عن جبارٍ قهارٍ متكبرٍ. مثلاً، في دعاء الجوشن نقرأ "يا من السماوات مطوياتٌ بيمينه". طبعاً، يمينه تعالى ليس المقصود به يده. تعالى الله عن ذلك، وإنما " قدرته ".
لكن التشبيه بأن السماوات مطويات بيمينه، أنه تعالى ملِك السماوات والأرض؛ مالك السماوات والأرض؛ جبار الجبابرة؛ ملك الملوك؛ له ما في السماوات والأرض؛ له جنود السماوات والأرض. انت تطلب النصر ممن له جنود السماوات والأرض. وليس ممن مثلا لديه 100 ألف مقاتل ويملك سلاحا نووا. أما ماذا عند الله سبحانه وتعالى؟ زلزال صغير من (قريبو) يجعل أكبر قوة في هذا العالم؛ يجعل عاليها سافلها.
فإذاً؛ عندما نريد أن نطلب نصرا أو نطلب رزقا أو نطلب عزا أو نطلب عافية أو نطلب علما أو نطلب أي شي، يجب أن نعرف الله الذي نطلب منه: أنه يقدر على كل شيءٍ مما نطلبه من شؤون الدنيا وشؤون الآخرة. هذا المعرفة هي معرفة أساسية وشرط أساسي. |
|
|