أقسام الصيام وآراء المذاهب
قسّم فقهاء المذاهب الصيام إلى أربعة أقسام: واجب، ومستحب، ومحرّم، ومكروه.
الصيام الواجب
يدخل في الصيام الواجب: صيام رمضان وقضاؤه، وصيام الكفارات، وصيام النذر باتفاق
المذاهب. وزاد الإمامان قسمين آخرين يدخل أحدهما في باب الحج، والثاني في باب
الاعتكاف. وقد بسطنا القول فيما سبق عن صيام رمضان وشروطه، والأمور التي تفسده، وفي
هذا الفصل نتكلم عن قضاء رمضان، وكفارة صيامه التي تجب على مَن أفطر فيه.
قضاء رمضان وفيه مسائل:
1 ـ اتفقوا على أنّ مَن وجب عليه قضاء ما فاته مِن أيام رمضان أن يقضيها في نفس
السنة التي فاته فيها الصيام، أي في الأيام المتخللة بين رمضان الفائت ورمضان
الآتي، وله أن يختار الأيام التي يشاء للقضاء باستثناء الأيام التي يُحرم فيها
الصوم، ويأتي بيانها، ويجب الإسراع والمبادرة إلى القضاء إذا بقي على رمضان بقدر ما
فاته مِن رمضان الأوّل.
2 ـ مَن تمكن مِن القضاء خلال السنة، وترك متهاوناً حتى دخل رمضان الثاني فعليه أن
يصوم رمضان الحاضر، ثمّ يقضي عن الفائت ويكفّر بمُد عن كل يوم بالاتفاق، ما عدا
الحنفية فإنّهم قالوا: يقضي ولا يكفّر. وإذا عجز عن القضاء بحيث استمر به المرض مِن
رمضان الأوّل إلى رمضان الثاني فلا قضاء عليه ولا كفارة عند الأربعة. وقال الإمامية:
يسقط القضاء فقط، وعليه أن يكفّر عن كل يوم بمُد، أي طعام مسكين.
3 ـ إذا كان قادراً على القضاء في أيام السنة، ولكن أخّره بنية أن يقضي قَبل رمضان
الثاني بأيام بحيث يوصل قضاء الفائت برمضان الآتي، ثمّ عرض له عذر شرعي منعه مِن
القضاء حتى دخل رمضان، إذا كان الأمر كذلك يلزمه القضاء فقط، ولا كفارة عليه.
4 ـ مَن أفطر رمضان لعذر وتمكن مِن القضاء، ولَم يقض حتى مات، قال الإمامية: يجب
على ولده الأكبر أن يقضي عنه.
وقال الحنفية والشافعية والحنابلة: يتصدق عنه عن كل يوم بمد.
وقال المالكية: يتصدق عنه الولي إذا أوصى بالصدقة عنه، أمّا مع عدم الوصية فلا يجب.
5 ـ مَن صام قضاءً عن رمضان وكان الوقت متسعاً، يجوز له أن يعدل عن صومه ويفطر قَبل
الزوال وبعده، ولا شيء عليه عند الأربعة.
وقال الإمامية: يجوز له الإفطار قَبل الزوال ولا يجوز له بعده، حيث استقر عليه
الوجوب بمضي أكثر الزمن، وفات محل تجديد النية، وإذا خالف وأفطر بَعد الزوال وجب
عليه أن يكفّر بإطعام عشرة مساكين، فإن عجز عن الإطعام فصيام ثلاثة أيام.
صيام الكفارات
صيام الكفارات على أنواع، منها: صيام كفارة قتل الخطأ، و صيام كفارة اليمين والنذر،
وصيام كفارة الظهار، ولهذه الأنواع أحكام يبحث عنها في أبوابها. والكلام هنا يتناول
حكم مَن صام مكفّراً عن إفطاره في رمضان.
قال الشافعية والمالكية والحنفية: مَن كان عليه صيام شهرين متتابعين كفارة عن
إفطاره في شهر رمضان فلا يجوز له أن يفطر يوماً واحداً في أثناء الشهرين ؛ لأنّه
بذلك يقطع التتابع، فإن أفطر لعذر أو غير عذر وجب عليه أن يستأنف صيام شهرين مِن
جديد.
وقال الحنابلة: الفطر لعذر شرعي لا يقطع التتابع.
وقال الإمامية: يكفي في تحقيق التتابع أن يصوم الشهر الأوّل بكامله، ويوماً واحداً
مِن الشهر الثاني، فإذا فعل ذلك جاز له أن يفطر، ثمّ يصوم بانياً على ما سبق، وإذا
أفطر في الشهر الأوّل بدون عذر وجب عليه أن يستأنف، أمّا إذا افطر لعذر شرعي مِن
مرض أو حيض فلا ينقطع تتابعه، بل ينتظر زوال العذر، ثمّ يتم الصيام.
وقال الإمامية أيضاً: مَن عجز عن صيام شهرين، وعتق رقبة، وإطعام ستين مسكيناً تخير
بين أن يصوم ثمانية عشر يوماً، أو أن يتصدق بما يطيق، ولو عجز عن ذلك كله أتى
بالممكن مِن الصدقة أو الصيام، فإن عجز ولَم يقدر على شي استغفر الله سبحانه.
وقال الشافعية والمالكية والحنفية: إذا عجز عن جميع أنواع الكفارات استقرت في ذمته
إلى أن يصبح موسراً فيؤديها. وهذا ما تقتضيه القواعد الشرعية.
وقال الحنابلة: إذا عجز سقطت عنه الكفارة، ولو أيسر بَعد ذلك لا يجب عليه شيء.
واتفقوا على أنّ الكفارة تتكرر بتكرر السبب الموجب في يومين أو أكثر، فمن أكل أو
شرب في يومين وجب عليه كفارتان، أمّا إذا أكل أو شرب أو جامع مرات في يوم واحد،
فقال الحنفية والمالكية والشافعية: لا تتعدد الكفارة مهما تكرر الإفطار، ومهما كان
نوعه.
وقال الحنابلة: إذا تعدد مقتضي الكفارة في يوم واحد فإن كفّر في الأوّل، أي تخلل
التكفير بين الموجبين لزمته كفارة ثانية، أمّا إذا لَم يكفّر عن السابق فيكفيه
واحدة عن الجميع.
وقال الإمامية: إنّ تكرر الجماع في اليوم الواحد يستدعي تكرار الكفارة، أمّا تكرار
الأكل والشرب فله كفارة واحدة.
الصيام المحرم
اتفقوا على أنّ صيام يوم الفطر والأضحى محرّم، ما عدا الحنفية فإنّهم قالوا: صيام
يومي العيد مكروه تحريماً. والمكروه تحريماً عندهم ما كان إلى الحرام أقرب.
وقال الإمامية: لا يجوز صيام أيام التشريق لمن كان بمنى خاصة. وأيام التشريق هي:
الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر مِن ذي الحجة.
وقال الشافعية: لا يحل صيام أيام التشريق في الحج ولا في غيره.
وقال الحنابلة: يحرم صيامها في غير الحج، ولا يحرم في الحج.
وقال الحنفية: صيامها مكروه تحريماً.
وقال المالكية: يحرم صيام الحادي عشر والثاني عشر مِن ذي الحجة في غير الحج، ولا
يحرم في الحج.
واتفقوا على أنّ المرأة لا يجوز لها أن تصوم استحباباً بدون إذن الزوج إذا زاحم
صيامها حقاً مِن حقوق الزوج، ما عدا الحنفية فإنّهم قالوا: إنّ صيام المرأة بدون
إذن زوجها مكروه، وليس بحرام.
يوم الشك
اتفقوا على أنّ مَن أفطر يوم الشك، ثمّ تبيّن أنّه مِن رمضان يجب عليه الإمساك ثمّ
القضاء. واختلفوا فيما إذا صام يوم الشك ثمّ تبيّن أنّه مِن رمضان، هل يجزيه ولا
يجب القضاء، أم لا؟
قال الشافعية والمالكية والحنابلة: لا يجزيه الصوم وعليه القضاء.
وقال الحنفية: يجزيه ولا قضاء عليه.
وقال أكثر الإمامية: لا يجب عليه القضاء إلاّ إذا صامه بنية رمضان، فإنّه حينئذٍ
يجب عليه القضاء.
الصيام المستحب
الصيام مستحب في جميع أيام السنة ما عدا الأيام التي نُهي عن الصيام فيها، ولكن
يتأكد في أيام بعينها، منها صيام ثلاثة أيام مِن كل شهر، والأفضل أن تكون الأيام
البيض وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر مِن الشهر العربي، ومنها يوم
عرفة وهو التاسع مِن ذي الحجة، ومنها صيام رجب وشعبان، ومنها كل يوم إثنين، وكل يوم
خميس، إلى غير ذلك ممّا جاء في المطوّلات. واستحباب الصوم في هذه الأيام متفق عليه
عند الجميع.
الصيام المكروه
جاء في كتاب ( الفقه على المذاهب الأربعة ): أنّ مِن الصوم المكروه إفراد يوم
الجمعة بالصوم، وكذا إفراد يوم السبت، ويوم النيروز عند غير الشافعية، والصيام قَبل
شهر رمضان بيوم، أو يومين لا أكثر.
وجاء في كتاب الفقه للإمامية: يكره صوم الضيف بدون إذن مضيّفه، والولد مِن غير إذن
والده، ومع الشك في هلال ذي الحجة وتخوّف كونه عيداً1 .
1-الفقه على الماهب
الخمسة / العلامة محمد جواد مغنية.
|