الحديقة الأولى
وفيها
* ضيافة الله
* أعمال الليلة الأولى
* اللقمة الحلال
* الأعمال العامة لليوم الأول
* الأعمال الخاصة
* دعاء اليوم الأول
* أعمال كل ليلة
* تقديم الصلاة، أو الإفطار؟
* آداب الإفطار
* مابعـد الإفطار
* صلاة كـل ليـلة
* ترجيح الأولى: الألـف ركعـة
* صلاة الليلة الثانية
* السحور
* آداب السحور
* نية الصوم
* أي صوم نريد؟
* ضيافة الله
ها نحن قد حططنا الرحال بفِناء ضيافة الرحمن الخاصة،فالحمد لله الذي بلَّغنا شهر الصيام والقيام، ونسأله سبحانه أن لايجعل حظنا منه الجوع والعطش، فما هكذا الظن به ولا المعروف من فضله، وقد أمرنا أن نردد في رجب "عادتك الإحسان إلى المسيئين". وفي شعبان: " إلهي لو أردت هواني لم تهدني".
وهاهي بركات الشهر الكريم تتواصل، فترفع منسوب الأمل الواعد إلى أعلى مستوياته.
ورد في خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله:أيها الناس إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة، فاسألوا ربكم أن لايغلقها عليكم. وأبواب النيران مغلقة فاسألوا ربكم أن لايفتحها عليكم. والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.هل معنى أن أبواب الجنان مفتحة أن درجة التسديد تجعل كثرة الثواب في المستوى الذي يتلازم مع ما يُعبَّر عنه مجازاً بفتح أبواب الجنان، أم أن هناك عملية فتح حقيقية لهذه الأبواب وغلق لأبواب النار؟
يظهر من الروايات وبعض كلمات العلماء الثاني ومع إمكان الحمل على الحقيقة لايمكن أن يصار إلى المجاز.
ورد في الروايات الحديث عن فتح أبواب السماء أو أبواب الجنان إذا أتبع المؤمن الصلاة على النبي بالصلاة على آله صلى الله عليه وآله.
كما ورد أن أبواب الجنان تفتح كل يوم في أوقات الصلاة، وقد ورد في الرواية تحديد سبب الفتح بصعود الأعمالوقال صدر المتألهين رحمه الله تعالى:"وإذا غُلقت أبواب النيران فُتحت أبواب الجنان، بل هي على شكل الباب الذي إذا فتح على موضع انسد عن موضع آخر، فعين غلق أبواب إحداهما عين فتح أبواب الأخرى".
* والشياطين مغلولة
قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة:فصلٌ، فيما نذكره من شكر الله جل جلاله على تقييد الشياطين ومنعهم من الصائمين في شهر رمضان. إعلم ان الرواية وردت بذلك متظاهرة ومعانيها متواترة متناصرة، ونحن نذكر من طرقنا إليه ألفاظ الشيخ محمد بن يعقوب الكليني فإن كتبه كلها معتمد عليها، وقد روى عن جابرعن أبي جعفر عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل بوجهه الى الناس فيقول: يا معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان غُلَّت مردة الشياطين، وفتحت أبواب السماء و ] أبواب الجنان وأبواب الرحمة، وغلقت أبواب النار، واستجيب الدعاء، وكان لله فيه عند كل فطر عتقاء يعتقهم الله من النار، ومنادٍ ينادي كل ليلة: هل من سائل، هل من مستغفر، أللهم أعط كل منفق خلفا وأعط كل ممسك تَلَفاً، حتى إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون أن اغدوا الى جوائزكم فهو يوم الجائزة، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: أما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير والدراهم.
أضاف السيد: ورأيت حديث خطبة النبي صلى الله عليه وآله رواية أحمد بن محمد بن عياش في كتاب الأغسال، بنسخة تاريخ كتابتها ربيع الآخر سنة سبع وعشرين واربعمأة، يقول بأسناده إلى مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: لما كان أول ليلة من شهر رمضان قام رسول الله صلى الله عليه وآله، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس قد كفاكم الله عدوكم من الجن والإنس، ووعدكم الإجابة وقال ادعوني أستجب لكم، ألا وقد وكل الله سبحانه وتعالى بكل شيطان مريد سبعة من الملائكة، فليس بمحلول حتى ينقضي شهر رمضان، ألا وأبواب السماء مفتحة من أول ليلة منه الى آخر ليلة منه، ألا والدعاء فيه مقبول. حتى إذا كان أول ليلة من العشر قام فحمد الله وأثنى عليه وقال مثل ذلك ثم قام وشّمَّر وشد المئزر وبرز من بيته واعتكف وأحيا الليل كله، وكان يغتسل كل ليلة منه بين العشائين.
* وتسأل: إذا كانت كل هذه المفردات قائمة في شهر الله تعالى خصوصاً أن الشياطين مغلولة فلماذا نُذنب إذاً؟
وينطلق هذا السؤال من تصور أن السبب الوحيد للذنب دائماً هو الشيطان، فإذا كانت الشياطين مغلولة فلماذا نقع في المعصية في شهر رمضان المبارك؟
وقد سأل أحدهم السيد ابن طاوس عليه الرحمة سؤالاً قريباً من هذا فقال له ما خلاصته: "أنا لا أجد اهتماماً من نفسي بالعبادة والدعاء في شهر رمضان، وتبقى حالتي الروحية التي كنت عليها قبل شهر رمضان هي نفسها في شهر رمضان والحال أن تقييد الشياطين ينبغي أن يتسبب بوضع جديد وحالة نفسية جديدة؟
وقد أجابه السيد عليه الرحمة بإجابات عدة من جملتها قوله: "إن العبد له قبل شهر رمضان ذنوب قد سوّدَت قلبه وعقله وصارت حجاباً بينه وبين الله جل جلاله فلا يُستبعد أن تكون ذنوبه السالفة كافية في استمرار غفلته فلا يؤثّر منع الشياطين عند الإنسان لعظيم مصيبته".
خلاصة الجواب أن الإنسان قبل شهر رمضان المبارك إرتكب ذنوباً كثيرة، هذه الذنوب قد تكون وصلت إلى حد أنها سوّدت قلبه وعقله وأصبحت حجاباً بينه وبين الله عز وجل، وجعلته في غياهب غفلة كبيرة عن الله تعالى، ومع أن تقييد مرَدَة الشياطين يؤثر بشكل عام، إلا أن مثل هذا الغافل كلياً، يبقى يرتكب المعاصي بزَخَم الذنوب التي ارتكبها. أللهم أعنّا على أنفسنا.
ونستطيع في ضوء ذلك أن ندرك أهمية الإستعداد لشهر الله تعالى قبل حلوله، وكذلك أهمية أن يبادر الإنسان في أي لحظة من لحظات الشهر المبارك ولو في آخرها إلى التوبة النصوح والتضرُّع، فيقول حاله قبل اللسان:إلهي إن لم ترحمني فمن يرحمني، إلهي من أنا حتى تغضب عليّ، ويصرّ في طلب التوبة وأن تكون هذه التوبة صادقة نصوحاً، وإن عجز حالنا عن ذلك فلا أقل من التوسل للحصول عليه.
وقد تناول آية الله التبريزي رضوان الله عليه،هذه النقطة - إذا كانت الشياطين تُغَلّ وتُقَيَّد فلماذا نقع في المعاصي في شهر رمضان- فأكد على ضرورة الإعتقاد بهذه المفردات التي وردت في الخطبة المباركة "أبواب الجنان مفتَّحة، وأبواب النيران مغلَّقة، والشياطين مغلولة" ثم قال في معرض هذا التأكيد:" ولقد حُكِيَ عن بعضهم أنه كان لا يرى من غَلِّ الشياطين في شهر رمضان كثيرَ نفع، وكأنه صعُب عليه تصديق ذلك أو فهم المراد منه مع العلم أن الأثر لتقييد الشياطين محسوس في شهر رمضان وهو أمر ظاهر، لما نراه من كثرة العبادات والخيرات في شهر الله تعالى ولا يشك فيه أحد، ومن عرف حقيقة الشيطان وجِهة ارتباطه مع الإنسان ومداخِلَه، يعرف أن نفس الإمتناع عن الطعام والشراب لا سيما إذا اقترن بكفّ الإنسان عن كثرة الكلام، سبب لمنع تصرف الشياطين في قلب الصائم، كما أُشيرَ إلى ذلك في قولهم عليهم السلام "ضيِّقوا مجاريه بالجوع وإنه يجري في بدن الإنسان مجرى الدم".
ويضيف آية الله التبريزي عليه الرحمة: "وعلى أي حال فهذا الذي نشاهده من عامة الناس من كثرة العبادات والخيرات والقربات في شهر رمضان شيءٌ لا يُنكَر، نعم ليس هذا بالنسبة إلى جميع الشياطين وبالنسبة إلى جميع المكلّفِين وهذا أمر ظاهر لأهله كما صرّح تقييده في بعض أخبار الباب بمَرَدَة الشياطين".
والخلاصة أن السيد إبن طاووس عليه الرحمة أورد الروايات المختلفة التي يؤكد بعضها أن كل الشياطين تُقيَّد في شهر رمضان، فيما يؤكد البعض الآخر أن الشياطين الكبار هي التي تُقيَّد، وهذا معنى مَرَدَة الشياطين، ورغم ذلك فإن الظاهر من كلامه أنه يتبنّى أن كل الشياطين تُقيَّد في شهر الله تعالى، أما آية الله التبريزي عليه الرحمة فظاهر كلامه أنه يرى أن المَرَدَة تُقيَّد، أي الشياطين الكبار، وهذا يعني أن الذين يشعرون بفارق أساسي في شهر رمضان هم الذين يتصدى للتأثير عليهم والوسوسة لهم الشياطين الكبارأي المَرَدَة.
ويمكن فهم هذه الحقيقة في ضوء عمل الأجهزة الأمنية في العالم، فإن كل شخص تركّز عليه أجهزة المخابرات الشيطانية بحسب حجمه، وليس من الطبيعي أن يتولى شيطان كبير في المخابرات الأمريكية أو الموساد ملفّاً لشخص عادي لا يشكّل خطراً أساسياً ونوعيّاً على أعداء الله، أما إذا بلغ شخص مرحلة من الخطورة بحيث أن وضعه أصبح يرتبط بأمن هذه الجهة الكافرة أو تلك فإن من الطبيعي أن يتولى ملفّه شيطان كبير، وهذا هو المراد - بناءً على رأي آية الله التبريزي عليه الرحمة – من أن مَرَدَة الشياطين تتولى ملفّات المؤمنين الأساسيين، وعباد الله الصالحين، وأن الذين يُقيَّدون في شهر رمضان هم مَرَدَة الشياطين، ومعنى ذلك أن الذين يرتاحون من وساوس الشياطين في شهر رمضان، هم هؤلاء الزهاد العُبّاد، أما أنا وأمثالي فإن من يتولى الوسوسة لنا هم الأبالسة الصغار، وشياطين عاديون، وهؤلاء لا يُقيَّدون في شهر رمضان بناءً على هذا الرأي الذي يتبنّاه آية الله التبريزي عليه الرحمة.
والواقع أن ظاهر الروايات أن الشياطين كلها تُقيَّد وعندما نجد حديثاً عن تقييد المَرَدَة فهوتفصيل بعد الإجمال، يرِد في مقام بيان خصوصيات معيَّنة لا تتنافى مع كون غيرهم أيضاً يُقيَّد، وما ذكره السيد ابن طاووس عليه الرحمة وجيه، وهو أن الإنسان يصل إلى مرحلة يصبح هو شيطاناً، فحتى إذا كانت الشياطين مقيَّدة فيصبح هو يوسوس لنفسه، من قبيل أن شخصاً مثلاً وصل في ارتكاب المعاصي والحرام إلى حد أنه أصبح يجُرّ غيره إلى الحرام والمعصية، فليس بحاجة إلى أن يجُرّه أحد، إنه يمتلك من الشيطنة " الإكتفاء الذاتي" و " الإستقلال" بالشيطنة.
يستطيع الإنسان بيُسْر أن يكتشف بالتأمل في أجواء شهر رمضان المبارك، أن هناك فارقاً أساسياً، بين ما كان الناس عليه أمس قبل دخول الشهر، وبين ماهم عليه اليوم وقد حل شهر رمضان. إنك ترى الناس في وضع جديد، وحتى أولئك الذين لا يعرفون القِبلة كما يقال، ولا يهتمون بالدين والتديُّن على مدار السنة، فإنهم يقبلون على الخيرات والمبرات، ومنهم من يصلي ويصوم، ويقرأ القرآن.
يتعاظم الإهتمام بالأعمال الصالحة بشكل عام، وتبدأ تسمع من الجميع: إننا في شهر الله تعالى، وأن للشهر حرمته، ولا يمكن تفسيرذلك تفسيراً مادياً.
وفي المقابل نلمس بالوجدان أن المعاصي تُرتكب حتى في شهر الله تعالى، بل إن الصائمين أو المهتمين بشهر الله تعالى بأي درجة لايُحصَّنون منها بحيث لاتصدر منهم، وهو واضح.
ولابد في ضوء هذا وذاك والتأكيد النبوي على أن الشياطين مغلولة، من حمل ذلك على ماتقدم ذكره من أن الذين يقعون منا في المعاصي في شهر رمضان، فإن ذلك نتيجة عكوفهم السابق على الذنوب التي طبعت العقل والقلب والشخصية عموماً بطابعها. والله تعالى المستعان.
إن الإدمان على الذنوب يجعل صاحبه كالمدمن على المخدرات الذي لايعني تقييد من يوسوس له أن هذا المدمن أصبح غير قادرعلى تعاطي المخدرات، بل يعني أنه قد تهيأ له مناخ مناسب للإقلاع عما أدمنه.
ويكشف التأمل في النصوص حول شهر الله تعالى أن كل العناصر التي يوفرها الله تعالى فيه تهدف إلى تأمين المناخ الأفضل للتوبة الصادقة النصوح والإقلاع عن إدمان المعاصي وأي لون من ألوان تعاطيها.وفي هذا السياق يقع الحديث حول أن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة وأبواب النيران مغلقة والشياطين مغلولة.
* أعمال الليلة الأولى
تقدم الحديث بالتفصيل عن أعمال الليلة الأولى في عمل آخر يوم من شعبان، وأورده هنا بتمامه.
أما ما يتعلق بالليلة الأولى من شهر رمضان المبارك، فالمطلوب أولاً، أن نهتم قبل حلولها أو أول حلولها بالإستهلال فنكون جاهزين للإستهلال قبل غروب الشمس.
والإستهلال كما ذكرت في أول شهر رجب وأول شهر شعبان، ينبغي أن نوليه أهمية قصوى حتى في غير شهر رمضان المبارك لأننا عندما نجد عملاً معيّناً في اليوم الفلاني من ذي القعدة أو اليوم الفلاني من محرم، فإن الدقة في الإتيان به تستدعي الإهتمام بضبط أول الشهر خصوصاً هلال شهر رمضان المبارك.
ثم إن هذه الليلة الأولى هي افتتاح هذا الموسم الإلهي، موسم شهر رمضان المبارك، وبما أن كل التركيز على شهري رجب وشعبان من أجل شهر رمضان، وها قد أطل الشهر الكريم العظيم، فكيف نستقبله؟
لقد كان كل ما تقدم من اهتمام بمراقبة النفس والعبادة، من أجل أن نرفع من مستوى تفاعلنا واستقبالنا لشهر الله تعالى.
للساعات الأولى من الضيافة – أي ضيافة – أهمية خاصة، قد تترك ظلالها على كل فترة الضيافة، وقد تتحكم بالنتائج التي تحصل منها، ولابد للقلب من التنبه بامتياز لهذه الخصوصية، فيغتنم فرصة مستهل ضيافة الرحمن، ويأخذ بنصيب وافر من الدعاء، لاسيما وأن أجواء شهر الله تعالى لم تلوَّث بعد بذنوبه ولا بذنوب غيره، وإن كان، فما تزال الأمور في بداياتها، وليحذر القلب من أن يكون حاله كحال من شارك في ضيافة، وعندما أزفت ساعة الدخول إلى رحاب صاحب الدعوة انشغل عنه بأمور هامشية، رغم أنه يرى الجميع منصرفين إلى السلام عليه والحديث معه، والقيام بفروض التحية والإحترام.
إذا تنبه القلب لذلك عرف أن أول ليلة من شهر رمضان جديرة بالإستعداد لها لاغتنام كل ما أمكن من لحظاتها.
في ضوء ذلك يجدر أن نأخذ نصيبنا الوافي من بركات الإقبال والتوجه في فترة استقبال الشهر الكريم.
وقد وردت لليلة الأولى التي هي مستهل هذا الموسم الإلهي ومفتتحه،أعمال خاصة،وفيها يعتق الله تعالى أعداداً كبيرة من الخلق، فهل نعمل بما يرفع من مستوى رجائنا أن تكون رقابنا من بين تلك الرقاب؟
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا كانت أول ليلة من شهر رمضان غفر الله لمن شاء من الخلق، فإذا كانت الليلة التي تليها ضاعفهم، فإذا كانت الليلة التي تليها ضاعف كل ما أعتق حتى إذا كانت آخر ليلة في شهر رمضان ضاعف مثلما أعتق في كل ليلة".و في بعض الروايات ورد أن عدد من يعتقهم الله تعالى في الليلة الأولى كبير جداً وفي الليلة الثانية يضاعف العدد، وكذلك في الليلة الثالثة، وهكذا إلى آخر ليلة من شهر رمضان فيصل العدد كما هو واضح إلى ملايمكن لنا تصوره.
وقد أورد الشيخ المفيد عليه الرحمة والرضوان، في أماليه مايلي:" وإن لله تعالى في آخر كل يوم من شهر رمضان عند الافطار ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة أعتق في كل ساعة منهما ألف ألف عتيق من النار وكلهم قد استوجبوا العذاب، فإذا كان في آخر [ يوم من ] شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما أعتق من أول الشهر إلى آخره ".
عندما يهتم الإنسان بعتق رقبته من النار ويفتتح هذا الموسم الإلهي بطلب الرحمة فإنه يعبّر بذلك عن يقظة وتنبّه خاصين، وعن خروج من الغفلة، فيصبح أكثر استحقاقاً للرحمة الإلهية ويختلف حاله جذرياً عمّن يمضي هذه الليلة غافلاً عن افتتاح الموسم الإلهي الكبير، موسم الضيافة الخاصة والرحمة الأوسع، ورحم الله من بذل قصارى جهده في الدعاء لغيره، فإن في ذلك مظنة قبوله وقضاء جميع حوائجه.
وفي أدب الدخول إلى ضيافة الرحمن، قال السيد:" ويكون على الجالس (في هذه الضيافة) المخالف لصاحب الرسالة، آثار الحياء والخجالة، لأجل ما كان قد أسلف من سوء المعاملة لمالك الجلالة، وليظهرْ عليه من حسن الظن والشكر للمالك الرحيم الشفيق كيف شرَّفه بالإذن له في الدخول والجلوس مع أهل الإقبال والتوفيق إن شاء الله تعالى ".
أضاف السيد عليه الرحمة والرضوان:"واعلم انني لما رأيت ان شهر رمضان أول سنة السعادات بالعبادات، وأن فيه ليلة القدرالتي فيها تدبير أمور السنة وإجابة الدعوات، اقتضى ذلك أني أوَدِّع السنة الماضية وأستقبل السنة الآتية بصلاة الشكر كيف سَلَّمني من أخطار ذلك العام الماضي، وشرفني بخِلَع التراضي وأغناني عن التقاضي، وفرَّغني لاستقبال هذا العام الحاضر، ولم يمنعني من الظفر بالسعادة والعبادة فيه بمرض ولا عرض باطن ولا ظاهر. ".." ثم إنني أحضر هذاالكتاب، عمل شهر الصيام، وأُقبِّله وأجعله على رأسي وعيني، وأضمه إلى صدري وقلبي، وأراه قد وصل إليّ من مالك أمري ليفتح به علي أبواب خيري وبري ونصري، وأتلقاه بحمدي وشكري وشكر الرسول الذي كان سببا لصلاح أمري، كما اقتضى حكم الإسلام تعظيم المشاعر في البيت الحرام وتقبيلها بفم الاحترام والإكرام. ".." ثم إنني أبدأ بالفعل، فاسأل الله جل جلاله العفو عما جرى من ظلمي له وحيفي عليه، وكلما هونت به من تطهير القلب وإصلاحه لنظر الله جل جلاله إليه، والعفو عن كل جارحة أهملت شيئا من مهماتها وعباداتها والإجتهاد في التوبة النصوح من جناياتها والصدقة عن كل جارحة بما تهيأ من الصدقات، لقول الله جل جلاله:إن الحسنات يذهبن السيئات.أتصدق عن أيام السنة المستقبلة عن كل يوم وليلة برغيف، لأجل ما رويناه من فضل الصدقة وفائدته".
وينبغي للمؤمن أن يعطي الأولوية المطلقة بدءاً من أول هذه الليلة، لقراءة القرآن الكريم، وذكر الله تعالى وخاصة الإستغفار، اللذين ورد الحث عليهما بعناية خاصة في جميع أوقات شهر الله تعالى.
عن الإمام الصادق عليه السلام: " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض " فغرة الشهور شهر الله وهو شهر رمضان وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان فاستقبل الشهر بالقرآن ".
وعنه عليه السلام:" قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: عليكم في شهر رمضان بكثرة الإستغفار والدعاء فأما الدعاء فيدفع به عنكم البلاء وأما الإستغفار فيمحو ذنوبكم ".
ويتضح بالتأمل في الروايات - وماذكره السيد ابن طاوس عليه الرحمة في تطبيقها- أهمية مراعاة هذا التسلسل في أعمال هذه الليلة:
1- أدعية رؤية الهلال وهي كثيرة جداً وقد استظهر السيد في الإقبال في استقصائها،فلتراجع، وسيأتي بعضها.
2- الغسل. وينبغي الإتيان به مقارناً للغروب.
3- الصلاة الواجبة، وصلاة الشكر.
4- زيارة سيد الشهداء عليه السلام، والأصل الزيارة من قرب، ولاتترك الزيارة من بُعد.
5- أدعية الليلة.
6- الصلوات الخاصة.
* الدعاء عند رؤية الهلال
أول ما ينبغي أن نستقبل به هذه الليلة المباركة عند رؤية الهلال المبارك هو الدعاء، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام" كان رسول الله صلى الله عليه وآله، إذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة ورفع يديه فقال:" اللهم أهله علينا بالامن و الايمان، والسلامة والاسلام والعافية المجلل، والرزق الواسع ودفع الأسقام، أللهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه، أللهم سلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه".
وفي رواية ثانية: أللهم أهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والعافية المجلل،ة والرزق الواسع ودفع الأسقام، والعون على الصلاة والصيام والقيام، وتلاوة القرآن، أللهم سلّمنا لشهر رمضان وتسلّمه منا وسلّمنا فيه حتى ينقضي عنا شهر رمضان وقد عفوت عنا وغفرت لنا ورحمتنا.
كذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: كان علي عليه السلام، إذا كان بالكوفة يخرج والناس معه يتراءى هلال شهر رمضان (أي ليستهل) فإذا رآه قال: "أللهم أهِلَّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام وصحة من السقم وفراغ لطاعتك من الشغل واكفِنا بالقليل من النوم، يارحيم".
وهكذا نجد أننا أمام عناوين أساسية تحدد لنا ما ينبغي لنا أن نهتم به في شهر رمضان المبارك،وهو كما يلي:
1- القيام فيه، وعلى الأقل نهتم بالدعاء للتوفيق للقيام، وطلب ذلك من الله عز وجل، والمراد بالقيام الصلاة والتهجد.
2- الدعاء للتوفيق للصيام وهو يشمل، التوفيق لأصل الصوم، ثم لقبوله.
3- وتلاوة القرآن، فهو شهر القرآن الكريم، ومن أمضى الشهر ولم يكن له مع كتاب الله تعالى شأن خاص، فخسارته كبيرة جداً.
4- والحرص على الأمن والإيمان والسلامة، وهي مفردات متلازمة، فلا أمن ولا سلامة إلا بالإيمان.
5- وينبغي أن نقدم الدليل على صدق العزم في ما نطلب من الله عز وجل فنطلب بصدق أن نكتفي بالنوم القليل،إدراكاً لأهمية الشهر الإستثنائية، وانسجاماً مع الإعتقاد بواجب اغتنام الفرص،والتعرض للنفحات الإلهية وعدم الإعراض عنها بتقطيع الوقت بالنوم، مما نكون النتيجة معه هو النوم في شهر رمضان أكثر من أي وقت آخر، وربما كان ذلك من علامات سوء التوفيق.
إننا أمام فرصة إلهية فريدة لا يصح أن نضيع شطراً منها بالنوم الذي إن زاد على حاجة الجسم فلا داعي له إطلاقاً، فينبغي أن يعرف الصائم المقدار الضروري لجسده من النوم، ليتفرغ للعبادة.
* الغُسـل
من مستحبات الليلة الأولى من شهر رمضان المبارك، الغُسل،فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف منه" وتحدد رواية وقت هذا الغسل "أول الليل" وفي رواية ثانية أنه " بين صلاة المغرب والعشاء "ولكن السيد ابن طاوس اختار أن وقته " قبل العشاء".
كما تتضمن رواية ثالثة فائدة هامة لهذا الغسل في أول ليلة من شهر رمضان، وهي أن من يصاب عادةً بالحكّة في جسده فإنه باستطاعته أن يداوي هذه الحكّة بهذا الغسل المستحب.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أحب أن لا يكون به الحكّة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان فإنه من اغتسل في أول ليلة منه لا يصيبه حكّة إلى شهر رمضان من قابل".وفي رواية أخرى ذكر طريقة خاصة للغسل في هذه الليلة:عن الإمام الصادق عليه السلام: " من اغتسل أول ليلة من شهر رمضان في نهر جارٍ ويصب على رأسه ثلاثين كفاً من الماء، طَهُر إلى شهر رمضان من قابل".
* صلاة الشكر
عن الإمام الصادق عليه السلام: إذا أنعم الله عز وجل عليك بنعمة فصل ركعتين، تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، وتقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون، وتقول في الركعة الأولى في ركوعك وسجودك: ألحمد لله، شكراً شكراً وحمداً، وتقول في الركعة الثانية في ركوعك وسجودك: " ألحمد لله الذي استجاب دعائي وأعطاني مسألتي".
والنية التي تنبغي في هذه الصلاة في بداية شهر رمضان، كما تقدم في كلام السيد، شكر الله تعالى على نعمة السلامة من أخطار السنة الماضية، ونعمة التوفيق للدخول في هذه السنة الجديدة، والإذن بالمشاركة في ضيافته سبحانه، والتوفيق للصيام.
* زيارة سيد الشهداء عليه السلام
وقد ورد في أعمال هذه الليلة التأكيد على زيارة سيد الشهداء عليه السلام.
عن الإمام الصادق عليه السلام:"انه سئل عن زيارة أبي عبد الله عليه السلام فقيل: هل في ذلك وقت هو أفضل من وقت؟ فقال: زوروه صلى الله عليه في كل وقت وفي كل حين فان زيارته عليه السلام خير موضوع، فمن أكثر منها فقد استكثر من الخير ومن قلل قُلِّل له، وتحروا بزيارتكم الأوقات الشريفة، فان الأعمال الصالحة فيها مضاعفة، وهي أوقات مهبط الملائكة لزيارته. قال: فسئل عن زيارته في شهر رمضان؟ فقال: من جاءه عليه السلام خاشعاً محتسباً مستقيلاً مستغفراً، فشهد قبره في إحدى ثلاث ليال من شهر رمضان: أول ليلة من الشهر أو ليلة النصف أو آخر ليلة منه، تساقطت عنه ذنوبه وخطاياه التي اجترحها، كما يتساقط هشيم الورق بالريح العاصف، حتى أنه يكون من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، وكان له مع ذلك من الأجر مثل أجر من حج في عامه ذلك واعتمر، ويناديه ملكان يسمع نداءهما كل ذي روح الا الثقلين من الجن والإنس، يقول أحدهما: يا عبد الله طَهُرْتَ فاستأنف العمل، ويقول الآخر: يا عبد الله أحسنت فأبشر بمغفرة من الله وفضل".
والمراد في الرواية هو الزيارة من قرب أي أن يذهب الزائر إلى كربلاء، ويتشرف بزيارة الإمام عليه السلام، إلا أن الزيارة من بُعد أيضاً ذات فضل كبير فينبغي أن لا تُترك خصوصاً مع تمني الزيارة وعدم التمكن منها.
* أدعية الليلة الأولى
وأما الأدعية التي ينبغي أن تُقرأ في هذه الليلة المباركة فلا يتّسع المقام للحديث عنها بالتفصيل إلا أني أذكر بعضها وأُشير إلى مصادر البعض الآخر.
1- دعاء الإمام السجاد عليه السلام عند دخول شهر رمضان، وهو الدعاء الرابع والأربعون من أدعية الصحيفة السجادية.
واعلم أن أول كل شهر هو عند رؤية هلاله، قال السيد:" ورأيت في كتاب صغير عندنا أوله مسألة للمفيد محمد بن محمد بن النعمان في عصمة الأنبياء عليهم السلام أنه سئل عن أول الشهر أهو الليل أم النهار، فقال: أوله الليل ".
2- قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة: ورويت هذا الدعاء بعدة طرق، وانما ذكر هاهنا لفظ ابن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه، فقال ما هذا لفظه:
" وروي عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السلام فقال: أدع بهذا الدعاء في شهر رمضان مستقبل دخول السنة، وذكر أن من دعا به مخلصاً محتسباً لم يصبه في تلك السنة فتنة ولا آفة في دينه ودنياه وبدنه، ووقاه الله شر ما يأتي به في تلك السنة: أللهم إني أسألك باسمك الذي دان له كل شئ، وبرحمتك التي وسعت كل شيء، وبعزتك التي قهرت بها كل شيء، وبعظمتك التي تواضع لها كل شيء، وبقوتك التي خضع لها كل شيء، وبجبروتك التي غلبت كل شيء، وبعلمك الذي احاط بكل شيء. يا نور يا قدوس، يا أول قبل كل شيء، ويا باقي بعد كل شيء، يا ألله يا رحمن صل على محمد وآل محمد واغفر لي الذنوب التي تغير النعم، واغفر لي الذنوب التي تنزل النقم، واغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء، واغفر لي الذنوب التي تديل الأعداء، واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء، واغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء، واغفر لي الذنوب التي تحبس غيث السماء، واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء، واغفر لي الذنوب التي تعجل الفناء، واغفر لي الذنوب التي تورث الندم، واغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، وألبسني درعك الحصينة التي لا ترام، وعافني من شر ما أخاف بالليل والنهار في مستقبل سنتي هذه. أللهم رب السموات السبع، ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وربَّ العرش العظيم، ورب السبع المثاني والقرآن العظيم، ورب اسرافيل وميكائيل وجبرئيل، ورب محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين. أسألك بك وبما تسميت به، يا عظيم انت الذي تمن بالعظيم، وتدفع كل محذور، وتعطي كل جزيل، وتضاعف من الحسنات الكثير بالقليل وتفعل ما تشاء. يا قدير يا ألله يا رحمن، صل على محمد وآل محمد وألبسني في مستقبل سنتي هذه سترك، واضيء وجهي بنورك، وأحبَّني بمحبتك، وبلِّغ بي رضوانك، وشريف كرائمك وجزيل عطائك، من خير ما عندك ومن خير ما أنت معطيه أحداً من خلقك سوى من لا يعدله عندك أحد في الدنيا والآخرة وألبسني مع ذلك عافيتك. يا موضع كل شكوى، ويا شاهد كل نجوى، ويا عالم كل خفية، ويا دافع ما تشاء من بلية، يا كريم العفو، يا حسن التجاوز، تَوَفَّني على ملة إبراهيم وفطرته، وعلى دين محمد صلى الله عليه وآله وسنته، وعلى خير الوفاة فتوفني، موالياً لأوليائك ومعادياً لأعدائك. أللهم وامنعني في هذه السنة من كل عملٍ أو فعل أو قول يباعدني منك، واجلبني إلى كل عمل أو فعل أو قولٍ يقربني منك في هذه السنة يا أرحم الراحمين، وامنعني من كل عمل أو فعل أو قول يكون مني أخاف سوء عاقبته وأخاف مقتك إياي عليه، حذار أن تصرف وجهك الكريم عني، فأستوجب به نقصاً من حظ لي عندك، يا رؤوف يا رحيم. أللهم اجعلني في مستقبل هذه السنة، في حفظك وجوارك وكنفك، وجللني عافيتك، وهب لي كرامتك، عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك. أللهم اجعلني تابعاً لصالحي من مضى من أوليائك، وألحقني بهم، واجلعني مسلِّماً لمن قال بالصدق عليك منهم. وأعوذ بك يا إلهي أن تحيط بي خطيئتي وظلمي وإسرافي على نفسي، واتّباعي لهواي واشتغالي بشهواتي، فيحول ذلك بيني وبين رحمتك ورضوانك، فأكون منسياً عندك متعرضاً لسخطك ونقمتك. أللهم وفقني لكل عمل صالح ترضى به عني، وقَرِّبني إليك زلفى، أللهم كما كفيت نبيك محمداً صلواتك عليه وآله هول عدوه، وفرَّجت همه، وكشفت كربه، وصدَقْتَه وعدك، وأنجزت له عهدك. أللهم فبذلك فاكفني هول هذه السنة وآفاتِها، وأسقامَها وفتنها وشرورها وأحزانها، وضيق المعاش فيها، وبلِّغني برحمتك كمال العافية، بتمام دوام النعمة عندي إلى منتهى أجلي. أسألك سؤال من أساء وظلم، واستكان واعترف، أن تغفر لي ما مضى من الذنوب التي حَصَرَتْها حَفَظُتُك، وأحصاها كِرام ملائكتك عليّ، وأن تعصمني اللهم من الذنوب فيما بقي من عمري الى منتهى أجلي. يا ألله يا رحمن صلِّ على محمد وأهل بيت محمد، وآتني كلما سألتك ورغبت فيه إليك، فإنك أمرتني بالدعاء وتكفلت بالإجابة، يا أرحم الراحمين".
3- وقال السيد أيضاً:" دعاء آخر وجدناه في كتاب ذُكر أنه بخط الرضي الموسوي رحمه الله، فيه أدعية، يقول فيه: ويقول عند دخول شهر رمضان: أللهم إن هذا شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن، هدى للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان قد حضر. يا رب أعوذ بك فيه من الشيطان الرجيم، ومن مكره وحِيَله، وخداعه وحبائله، وجنوده وخيله، ورَجِله ووساوسه، ومن الضلال بعد الهدى، ومن الكفر بعد الإيمان، ومن النفاق والرياء والجنايات، ومن شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس. أللهم وارزقني صيامه وقيامه، والعمل فيه بطاعتك، وطاعة رسولك وأولي الأمرعليه وعليهم السلام، وما قرَّب منك، وجنبني معاصيك، وارزقني فيه التوبة والإنابة والإجابة، وأعذني فيه من الغيبة والكسل والفشل، واستجب لي فيه الدعاء، وأصحَّ لي فيه جسمي وعقلي، وفرغني فيه لطاعتك وما قرَّب منك، يا كريم يا جواد يا كريم، صل على محمد وعلى أهل بيت محمد عليه وعليهم السلام، وكذلك فافعل بنا يا ارحم الراحمين".
4- دعاء الجوشن الكبير،فقد ورد الحث الشديد على قراءته في هذه الليلة، فالثواب الذي يعطاه قارئه عظيم، وختام هذا الثواب أن من دعا بهذا الدعاء ينادى: "ُادخل الجنة بغير حساب". وأدعية الليلة الأولى من شهر رمضان كثيرة جداً، وردت في الكافي والبحار والوسائل، وغيرها، وقداستقصاها السيد ابن طاوس عليه الرحمة والرضوان في " إقبال الأعمال" ومن لم يتيسر له الرجوع إليه فيمكنه الرجوع إلى " مفاتيح الجنان" فقد أورد المحدث القمي شطراً منها ضمن القائمة الوافية التي أوردها لأعمال الليلة.
* الأدعية العامة للّيالي
وينبغي التنبه إلى أن ما تقدم كان حول الأدعية الخاصة بالليلة الأولى، وهناك أدعية تقرأ في كل ليلة بما يشمل الليلة الأولى،وأشهرها دعاء الإفتتاح، وينبغي البدء بأدعية الليالي، العامة في هذه الليلة فليلاحظ.
ومن الأدعية العامة في كل ليلة، هذا الدعاء:"أللهم رب شهر رمضان الذي انزلت فيه القرآن، وافترضت على عبادك فيه الصيام، صل على محمد وآل محمد وارزقني حج بيتك الحرام في عامي هذا وفي كل عام، واغفر لي تلك الذنوب العظام، فإنه لا يغفرها غيرك يا رحمن يا علام ".
وقد ورد في ثوابه:" من قال هذا الدعاء في كل ليلة من شهر رمضان غفرت له ذنوب اربعين سنة ".
* صلاة الليلة الأولى
ينطبق هذا العنوان على أربع صلوات:
الأولى: قال السيد في الإقبال:محمد بن أبي قرة في عمل أول يوم من شهر رمضان عن العالم صلوات الله عليه، قال: من صلى عند دخول شهر رمضان بركعتين تطوعاً قرأ في أولهما أم الكتاب وإنا فتحنا لك فتحاً مبيناً والأخرى ماأحب رفع الله عنه السوء في سنته ولم يزل في حرزالله إلى مثلها من قابل.
ومن الواضح أن تعبير"عند دخول شهر رمضان" هو من الرواية، ويتحقق ذلك بحلول أول ليلة منه كما تقدم عن الشيخ المفيد، وليس في الرواية أن الصلاة من "عمل أول يوم".
الثانية: مروية عن الإمام الصادق عليه السلام، وهي أطول بكثير، وهي عبارة عن ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وسورة الأنعام".وقد ورد في ثوابها كفاه الله تعالى مايخافه من ذلك الشهر ووقاه من المخاوف والأسقام"وليست هذه الصلاة خاصة بالليلة الأولى من شهر رمضان، بل تصلى في أول ليلة من كل شهر.
الثالثة: خاصة بهذه الليلة، وهي مروية عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل يذكر صلاة كل ليلة من ليالي شهر رمضان، وقد ورد فيها:"من صلى في أول ليلة من شهر رمضان أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وخمس عشرة مرة ( قل هو الله أحد ) أعطاه الله ثواب الصديقين والشهداء، وغفر له جميع ذنوبه وكان يوم القيامة من الفائزين ".
الرابعة: وهي صلاة تقع ضمن ترتيب معيّن لصلوات شهر رمضان المبارك، وحصة هذه الليلة من هذا الترتيب هي عشرون ركعة،ثماني ركعات منها بعد المغرب، واثناعشرة ركعة بعد العشاء (كل ركعتين بتسليمة) يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد مرة أو ثلاث مرات أو خمس مرات أو سبع مرات أو عشر مرات، يختارالمصلي العدد الذي يناسبه.و يأتي الحديث عنها بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
* اللقمة الحلال
وفي طليعة أولويات الإهتمام بشهر رمضان، التدقيق في المكسب والدخل المالي عموماً، حذراً من أن يكتشف الصائم متأخراً أنه كان في ضيافة الله تعالى كاللص الذي يشارك في ضيافة من سرق منه وهو يلبس من الثياب التي كانت من جملة ما سرق.
إن عدم التدقيق في الدخل المالي وسائر الممتلكات قد يجعل الصائم أيضاً يأكل طعاماً مختلطاً بالحرام الذي سُرق من الفقراء والمحتاجين!
من هنا كان التفكير في اللقمة الحلال التي ترافق الصوم من أوله إلى آخره، بالغ الأهمية.
نبّهَ على ذلك سيد العلماء المراقبين السيد ابن طاوس عليه الرحمة، وخلاصة ما يظهر من كلامه قد سره، أن على الصائم أن يهتم بلقمته الحلال في شهر رمضان المبارك، وقد يُظن أن هذه المسألة عادية جداً ومفروغ منها، إلا أن الحقيقة أنه ليس من السهل أن يعرف المرء أن هذه اللقمة حلال أو ليست حلالاً، لكثرة الحكّام الظَّلَمة الذين تعاقبوا واغتصبوا أموال الناس، مما أدى إلى ضياع كثير من الحقوق وهدرها، وطمس معالم إعادة الأمور إلى نصابها.
لذلك، فينبغي أن يبذل الصائم الجهد في هذا المجال و يوليه عناية خاصة، ويتعامل مع مايملك كما أُمرنا أن نتعامل مع المال الذي نعلم أنه من مصدر حرام ولكن لايمكننا إرجاع الحق إلى أهله لعدم معرفتهم. إن الواجب في هذه الحال تخميس المال مرتين. وبناء على ذلك فينبغي لمن يريد أن يصوم حقيقة-حتى إذا كان مطمئناً الإطمئنان العادي إلى لقمته الحلال- أن يحتاط، ويعبر السيد هنا بعبارة "الإستظهار بتخميس كل ما يتقلّب فيه" أي يحتاط الصائم فيخمّس كل ما يستعمله في شهر رمضان المبارك مرة ثانية غير الخمس العادي الذي يفترض أنه قد أداه، والسبب في هذا الإحتياط هو أنه في ضيافة الرحمن، وفي أفضل الشهور، وهو يريد أن يوفَّق للتوبة النصوح، و أن يقبله الله عزوجل، ولذلك فهو يبذل قصارى جهده من أجل أن يطمئن إلى أنه يتقلّب في حلال.
ومن الواضح أن هذا ليس واجباً، فالواجب هو إخراج الخمس مرة واحدة، إلا أنه مستوى متقدم من الإحتياط في الوصول إلى الإطمئنان باللقمة الحلال.
والفائدة العملية في هذا المجال أن يتأمل كلٌ منا في ما حوله وفي ما يتقلّب فيه، هل يوجد شيء لم يخمّسه، هل يوجد شيء فيه شبهة، فيخرج من العهدة فيه بالطرق الشرعية المقررة.
وبديهي أن من لم يخمس أصلاً تكون فائدته العملية مما تقدم كبيرة جداً، حيث أنه أمام كلام عن خمسٍ آخر بعد الخمس الأول فماهو إذاً حال من لم يخمس أبداً؟!
إن على كل مسلم أن يسأل نفسه، كيف يصوم ويطلب من الله عز وجل أن يتقبّله وهو يتقلّب في الحرام.
ويؤكد السيد كثيراً على مسألة اللقمة الحلال بشكل خاص، وينقل الرواية التالية:قال الراوي: قلت للإمام الهادي عليه السلام: روَينا عن آبائك أنه يأتي على الناس زمان لا يكون شيء أعز من أخ أنيس أو كسب درهم من حلال، فقال: يا أبا محمد إن العزيز موجود ولكنك في زمان ليس فيه شيء أعسر من درهمٍ حلال أو أخِ في الله عز وجل.وتبين الرواية مدى الجهد الذي يجب أن يبذل للإطمئنان إلى اللقمة الحلال.
* الأعمال العامة لليوم الأول
هناك مستحبات عامة لليوم الأول من كل شهر، وهي على قسمين: الأعمال العامة لليوم الأول من كل شهر، والأعمال العامة لكل يوم من شهر رمضان فتشمل اليوم الأول.
ومن القسم الأول أي العامة لكل أول شهر، أذكر مايلي:
1- قراءة سورة الحمد سبع مرات وذلك نافع لوجع العين.
2- كما ورد أنه يستحب في اليوم الأول من كل شهر أكل شيء من الجِبن، وأن له فوائد هامة. وبعد أن أورد السيد هذه الرواية في كتابه" الدروع الواقية"، قال:" فإياك أن تستبعد مثل هذه الآثار، وقد رواها هارون بن موسى وهو من الأخيار، وكم لله جل جلاله في بلاده وعباده من الأسرار، ما لم يطلع عليه إلا من شاء من رسله وخواصه الأطهار. فيجب التسليم والرضا والقبول، ممن شهدت بوجوب تصديقه العقول ".ومن المهم التأمل في طريقة تعامل العلماء مع الأمور المستغربة، التزاماً منهم بالمنهج العقلي السليم الذي لايعتبر الإستغراب دليلاً، ويدقق في السند ويلتزم بما ورد عن المعصوم. ولا يهم بعد ذلك ماذا تقول "روح العصر"!
3- الغسل:وقد ورد الحث عليه بطريقتين:الغسل في ماءٍ جارٍ، ومن لم يتمكن من ذلك فليغتسل كما يمكنه، ويصب على رأسه ثلاثين كفّاً من الماء فإن ذلك يورث الأمن من جميع الآلام والأسقام في تلك السنة.
4- ضرب الوجه بكفّ من ماء الورد لينجو من المذلَّة والفقر، وأن يصب شيئاً منه على رأسه ليأمن من البرسام، وهو نوع من الورم في الدماغ ينتج عنه الأرق و نوع من الجنون.
حول ماتقدم قال السيد رحمه الله تعالى:"عن جعفر بن محمد - الإمام الصادق - عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أنه قال: من اغتسل أول يوم من السنة، في ماء جارٍ، وصب على رأسه ثلاثين غرفة، كان دواء لسنته". وإن أول كل سنة أول يوم من شهر رمضان. وعنه عليه السلام:أن من ضرب وجهه بكف ماء ورد أمن ذلك اليوم من المذلة والفقر، ومن وضع على رأسه من ماء ورد، أمن تلك السنة من البرسام فلا تدعوا ما نوصيكم به.
وقد علق السيد ابن طاوس على ذلك بقوله:" لعل خاطر بعض من يقف على هذه الرواية يستبعد ما تضمنته من العناية، ويقول: كيف يقتضي ثلاثون غرفة من الماء استمرار العافية طول سنته وزوال أخطار الأدواء فاعلم أن كل مسلم فإنه يعتقد أن الله جل جلاله يعطي على الحسنة الواحدة في دار البقاء، من الخلود ودوام العافية وكمال النعماء، ما يحتمل أن يقدم لهذا العبد المغتسل في دار الفناء بعض ذلك العطاء، وهو ما ذكر من العافية والشفاء".
5- صلاة أول كل شهر:قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة:" كان أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام إذا دخل شهر جديد يصلي أول يوم منه ركعتين، يقرأ في أول ركعة قل هو الله أحد ثلاثين مرة بعدد أيام الشهر، وفي الركعة الثانية إنا أنزلناه في ليلة القدر مثل ذلك، ويتصدق بما يتسهل، فيشتري به سلامة ذلك الشهر كله. ووجدت هذا الحديث مروياً أيضاً عن مولانا جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ". ورأيت في غير هذه الرواية زيادة وهي: ويستحب إذا فرغت من هذه الصلاة أن تقول:بسم الله الرحمن الرحيم وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌّ في كتاب مبين. وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير. بسم الله الرحمن الرحيم سيجعل الله بعد عسر يسرا. ما شاء الله لا قوة الا بالله. حسبنا الله ونعم الوكيل. وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير. رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين.
أضاف: و قد عرفت أن العترة من ذرية النبي صلوات اله عليه وآله الذين كانوا قائمين مقامه في فعاله ومقاله، قالوا: " إن ما نرويه فإنه عنه، ومأخوذ منه " فهم قدوة لمن اقتدى بفعلهم وقولهم، وهداة لمن عرف شرف محلهم، فاقْتَدِ في السلامة من خطر كل شهر كما أشار إليه مولانا محمد بن علي الجواد صلوات الله عليه.
* الصلاة بصيغة ثانية
قال السيد: " وقد روينا أن صلاة أول كل شهر ركعتان، يقرأ في الأولى الحمد و قل هو الله أحد مرة، وفي الثانية الحمد و إنا أنزلناه، مرة. ولعل هذه الرواية الخفيفة مختصة بمن يكون وقته ضيقاً عن قراءة ثلاثين مرة في كل ركعة، أما على طريق سفر أو لأجل مرض أو غير ذلك من الأعذار".
6- الصـدقـة:وتحدث السيد عن أدب هذه الصدقة عن الشهر كله التي وردت في الرواية المتقدمة، فقال: وينبغي أن تتذكرعند صدقتك أن هذه الصدقة التي في يديك إنما هي لله جل جلاله، ومن إحسانه إليك، والذي تشتريه من السلامة هو أيضا من ذخائره التي يملكها هو جل جلاله، وتريد أنت منه جل جلاله أن ينعم بها عليك، وأنت ملكه على اليقين لا تشك في ذلك إن كنت من العارفين، فأَحضِر بقلبك عند صلاتك وصدقتك هذه أنك تشتري ما يملكه الله جل جلاله لمن يملكه الله جل جلاله، فالمشتري - وهو أنت، كما قلناه - ملكه، والذي تشتري به السلامة - وهو الصدقة - ملكه، وأن السلامة التي تشتريها ملكه، فاحذر أن تغفل عما أشرنا إليه، فقد كررناه ليكون على خاطرك الإعتماد عليه." فإذا أديت الأمانة في صلاتك وصدقتك، وخلصت نيتك في معاملتك لله جل جلاله ومراقبتك، فكن واثقاٍ بالسلامة من أخطار شهرك، ومصدقا في ذلك ولاة أمرك، وحسن الظن بالله جل جلاله في صيانتك ونصرك".
7- الدعاء لصاحب العصر عليه السلام:قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة:"ومما ينبغي أن تعرفه من سبيل أهل التوفيق وتعلمه فهو أبلغ في الظفر بالسلامة على التحقيق، وذلك أن تبدأ في قلبك عند صلاة الركعتين وعند الصدقة والدعاء بتقديم ذكر سلامة من يجب الإهتمام بسلامته قبل سلامتك، وهو الذي تعتقد أنه إمامك وسبب سعادتك في دنياك وآخرتك. واعلم أنه صلوات الله عليه غير محتاج إلى توصلك بصلاتك وصدقتك ودعائك في سلامته من شهره، لكن إذا نصرته جازاك الله جل جلاله بنصره، وجعلك في حصن حريز، قال الله جل جلاله: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. ولأن من كمال الوفاء لنائب خاتم الانبياء، أن تقدمه قبل نفسك في كل خير تقدر عليه، ودفع كل محذور أن يصل إليه، وكذا عادة كل إنسان مع من هو أعز من نفسه عليه. ولأنك إذا استفتحت أبواب القبول، بطاعة الله جل جلاله والرسول، فيرجى أن تفتح الابواب لأجلهم، فتدخل أنت نفسك في ضيافة الدخول تحت ظلهم، وعلى موائد فضلهم".
وقد تحدث السيد في مكان آخر، حول الدعاء لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وكلامه وإن كان منصباً على كل ليلة من شهر رمضان، إلا أن الدعاء الذي سيذكره ليس خاصاً بالليلة بل يشمل كل وقت من أوقات شهر رمضان بمافيه اليوم الأول، ولكي لاتفوتنا فوائده فسأورده هنا.
قال السيد:" فصلٌ، فيما نذكره مما يختم به كل ليلة من شهر رمضان. إعلم أن حديث كل ضيف مع صاحب ضيافته، وكل مستخفر بخفير، فحديثه مع المقصود بخفارته، وإذاكان الإنسان في شهر رمضان قد اتخذ خفيراً وحامياً كما تقدم التنبيه عليه فينبغي كل ليلة بعد فراغ عمله أن يقصد بقلبه خفيره ومضيفه، ويعرض عمله عليه، ويتوجه إلى الله جل جلاله بالحامي والخفير والمضيف، وبكل من يعز عليه، وبكل وسيلة إليه، في أن يبلغ الحامي أنه متوجه بالله جل جلاله وبكل وسيلة إليه، وفي أن يكون هو المتولي لتكميل من النقصان والوسيط بينه وبين الله جل جلاله في تسليم العمل إليه، من باب قبول أهل الإخلاص والأمان. أقول: ومن وظائف كل ليلة أن يبدأ العبد في كل دعاء مبرور، ويختم في كل عمل مشكور، بذكر من يعتقد أنه نائب الله جل جلاله في عباده وبلاده، وأنه القيِّم بما يحتاج إليه هذا الصائم، من طعامه وشرابه وغير ذلك من مراده، من سائر الأسباب التي هي متعلقة بالنائب عن رب الأرباب، أن يدعو له هذا الصائم بما يليق أن يدعى به لمثله، ويعتقد أن المنة لله جل جلاله ولنائبه، كيف أهَّلاه لذلك ورفعاه به به في مزلته ومحله. فمن الرواية في الدعاء لمن أشرنا إليه صلوات الله عليه، ما ذكره جماعة من أصحابنا، وقد اخترنا ما ذكره ابن أبي قرة في كتابه، فقال باسناده الى علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن محمد بن عيسى بن عبيد، باسناده عن الصالحين عليهم السلام قال:وكرِّرْ في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائماً وقاعداً وعلى كل حال، والشهر كله، وكيف أمكنك، ومتى حضرك في دهرك، تقول بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي وآله عليهم السلام: أللهم كن لوليك، القائم بأمرك،الحجة، محمد بن الحسن المهدي، عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام، في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً وقائداًوناصراً،ودليلاً ومؤيداً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه فيها طويلا وعرضا، وتجعله وذريته من الأئمة الوارثين. أللهم انصره وانتصر به، واجعل النصر منك له وعلى يده، والفتح على وجهه، ولا توجه الأمر إلى غيره، أللهم أظهر به دينك وسنة نبيك، حتى لا يستخفى بشئ من الحق مخافة أحدٍ من الخلق. أللهم إني أرغب إليك في دولة كريمة، تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. واجمع لنا خير الدارين، واقض عنا جميع ما تحب فيهما، واجعل لنا في ذلك الخيرة برحمتك ومَنِّك في عافية، آمين رب العالمين زدنا من فضلك ويدِك المَليء، فإنَّ كلَّ مُعْطٍ يَنقُصُ من مُلكه، وعطاؤك يزيد في مُلكك".
وقد أورد الشيخ الكَفْعَمي رضوان الله تعالى عليه الدعاء للإمام عليه السلام بما يتحد مع بداية ماتقدم إلا أنه مختصر، وهو المشهور المتداول، ماعدا اسم الإمام. وعدمُ ذكره عليه السلام بالإسم أكثر انسجاماً مع الروايات.
قال الكَفعمي:وعنهم عليهم السلام: كرِّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كل حال، وفي الشهر كله وكيف أمكنك ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تمجيده تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وآله:أللهم كن لوليك (الحجة بن الحسن) صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً، وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طَوْعاً، وتمتعه فيها طويلا.
وأما الأعمال العامة لكل يوم من أيام شهر رمضان، فأذكر منها:
1- الدعاء بعد كل فريضة، وقد وردت تحت هذا العنوان عدة أدعية، منها:
أ- ياعلي ياعظيم، ياغفور يارحيم، أنت الرب العظيم، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهذا شهر عظمته وكرمته وشرفته وفضلته على الشهور، وهو الشهر الذي فرضت صيامه علي، وهو شهر رمضان الذي انزلت فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وجعلت فيه ليلة القدر وجعلتها خيرا من الف شهر. فياذا المن ولا يمن عليك، من علي بفكاك رقبتي من النار، فيمن تمن عليه، وادخلني الجنة برحمتك يا ارحم الراحمين.
ب- اللهم أدخل على أهل القبور السرور. الدعاء. وقد تقدم ذكره والكلام حوله في أعمال اليوم الواحد والعشرين من شهر شعبان، في سياق" أدعية الغَيبة"وأنه في الحقيقة دعاء للإمام صاحب الزمان، لأن هذه المضامين الواردة فيه لاتتحقق إلا عند ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وينبغي التنبه بشكل خاص إلى هذا الدعاء " أللهم أدخل على أهل القبور السرور" والإهتمام بحفظه والمواظبة على قراءته بعد كل فريضة ومن فاته قليقرأه بنية القضاء، فقد ذكر الشهيد الأول في مجموعته التي هي بخطه أنه قد ورد في الحث عليه عن رسول الله صلى الله عليه وآله: من دعا بهذا الدعاء في (شهر) رمضان بعد كل فريضة غفر الله له ذنوبه إلى يوم القيامة".
قال العلامة المجلسي:" وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي رحمه الله، نقلاً من خط الشيخ الشهيد(الأول) قدس سره، عن النبي صلى الله عليه وآله: من دعا بهذا الدعاء في شهر رمضان بعد المكتوبة استغفرت ذنوبه إلى يوم القيامة، وهو:" اللهم أدخل على أهل القبور السرور، اللهم أغن كل فقير، اللهم أشبع كل جائع، اللهم اكس كل عريان، اللهم اقض دين كل مدين، اللهم فرج عن كل مكروب، اللهم رد كل غريب، اللهم فك كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من امور المسلمين، اللهم اشف كل مريض، اللهم سد فقرنا بغناك، اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر، إنك على كل شئ قدير ".
ت - أللهم ارزقني حج بيتك الحرام.وهو كما يلي: أللهم ارزقني حج بيتك الحرام في عامي هذا وفي كل عام ما أبقيتني، في يسر وعافية وسعة رزق، ولا تُخْلِني من تلك المواقف الكريمة والمشاهد الشريفة وزيارة قبر نبيك صلواتك عليه وآله، وفي جميع حوائج الدنيا والآخرة فكن لي. أللهم إني أسألك فيما تقضي وتقدر من الأمر المحتوم في ليلة القدر، من القضاء الذي لا يرد ولا يبدل، أن تكتبني من حجاج بيتك الحرام، المبرور حجهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، المكفر عنهم سيئاتهم، واجعل فيما تقضي وتقدرأن تطيل عمري في طاعتك وتوسع علي رزقي وتؤدي عني أمانتي ودَيْني، آمين رب العالمين..
ث - أللهم إني بك ومنك أطلب حاجتي، ويعرف بدعاء الحج. وهو بتمامه:عن الإمام الصادق عليه السلام قال: أدع للحج في ليالي شهر رمضان بعد المغرب: اللهم بك [ أتوسل ] ومنك أطلب حاجتي، أللهم من طلب حاجته إلى أحد من المخلوقين، فإني لا أطلب حاجتي إلا منك، أسألك بفضلك ورضوانك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل لي من عامي هذا الى بيتك الحرام سبيلاً، حجة مبرورة متقبلة زاكية خالصة لك، تُقِرُّ بها عيني، وترفع بها درجتي، وترزقني أن أغض بصري، وأن أحفظ فرجي، وأن أكف عن جميع محارمك، حتى لا يكون شيء آثر عندي من طاعتك وخشيتك، والعمل بما أحببت، والترك (لما) كرهت ونهيت عنه، واجعل ذلك في يسر ويسار وعافية، وأوزعني شكر ما أنعمت به عليّ. وأسألك أن تقتل بي أعداءك وأعداء رسولك، وأسألك أن تكرمني بهوان من شئت من خلقك، ولا تهني بكرامة أحد من أوليائك، أللهم اجعل (لي) مع الرسول سبيلا.
ج- أللهم رب شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن، وافترضت على عبادك فيه الصيام، صل على محمد وآل محمد وارزقني حج بيتك الحرام في عامي هذا وفي كل عام، واغفر لي تلك الذنوب العظام، فإنه لا يغفرها غيرك يا رحمن يا علام.
وقد ورد في ثوابه: من قال هذا الدعاء في كل ليلة من شهر رمضان غفرت له ذنوب أربعين سنة.
وقد أورد هذه الأدعية الأربعة المحدث القمي في مفاتيح الجنان، وزاد في آخر الثالث: حسبي الله ماشاء الله.
* الأعمال الخاصة
وأما الأعمال الخاصة باليوم الأول من شهر رمضان فهي الأدعية الخاصة بهذا اليوم،وسأذكر منها مايلي:
1- الدعاء الأول:
ورغم التزامي بعدم إيراد الأدعية الطويلة والإكتفاء بالإرجاع إلى مصادرها، فسأورد هنا دعاء مفتتح السنة الذي ذكره السيد ابن طاوس عليه الرحمة لما يلي:
أ- فرادة المضمون بشكل عام، وأهمية أن تتاح للمؤمن وقفة مع النفس بين يدي الله تعالى على باب السنة الجديدة، تكون شاملة مستوعبة لكل مسارب النفس وتشعب الأهواء، ولئن كان الدعاء مضمناً لفقرات معروفة من أدعية معروفة، فإن طريقة التضمين خاصة، وفقراته الأخرى غير المضمنة أشد خصوصية كما سترى.
ب- أن الكتب المتداولة تخلو منه، وتكتفي بالإشارة إليه، فهو ليس في متناول أكثر المؤمنين، وحيث إنه يدعى به مرة في السنة فقد لاتحمل الإشارة على الرجوع إليه، فيفوت المؤمنين خير كثير.وقد تحدث السيد حول هذا الدعاء فقال:" دعاء آخر إن دعوت به أول ليلة من شهر الصيام فقدم لفظ: ليلتي هذه على يومي هذا، وإن دعوت به أول يوم من الشهر فادع باللفظة التي تأتي فيه، والذي رجح في خاطري أن الدعاء به في أول يوم منه. رويناه بأسنادنا الى أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري بأسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: يقول عند حضور شهر رمضان:" أللهم هذا شهر رمضان المبارك الذي أنزلت فيه القرآن وجعلته هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان قد حضر، فسلمنا فيه وسلمه لنا وتسلمه منا في يسر منك وعافية. وأسألك اللهم أن تغفر لي في شهري هذا، وترحمني فيه، وتعتق رقبتي من النار، وتعطيني فيه خير ما أعطيت أحداً من خلقك، وخير ما أنت معطيه، ولا تجعله آخر شهر رمضان صمته لك منذ أسكنتني أرضك إلى يومي هذا، واجعله عليَّ أتمه نعمة، وأعمه عافية، وأوسعه رزقاً، وأجزله وأهناه. أللهم إني أعوذ بك وبوجهك الكريم وملكك العظيم أن تغرب الشمس من يومي هذا، أو ينقضي بقية هذا اليوم، أو يطلع الفجر من ليلتي هذه، أو يخرج هذا الشهر ولك قبلي معه تبعة أو ذنب أو خطيئة، تريد أن تقايسني بذلك أو تؤاخذني به، أو تقفني به موقف خزي في الدنيا والآخرة، أو تعذبني به يوم ألقاك يا أرحم الراحمين. أللهم اني أدعوك لهم لا يفرجه غيرك، ولرحمة لا تُنال إلا بك، ولكربٍ لا يكشفه إلا أنت، ولرغبة لا تُبلغ إلا بك، ولحاجة لا تقضى دونك. أللهم فكما كان من شأنك ما أردتني به من مسألتك، ورحمتني به من ذكرك، فليكن من شأنك سيدي الإجابة لي فيما دعوتك والنجاة لي فيما قد فزعت إليك منه. أللهم صل على محمد وآل محمد، وافتح لي من خزائن رحمتك رحمةً لا تعذبني بعدها أبداً في الدنيا والآخرة، وارزقني من فضلك الواسع رزقاً حلالاً طيباً، لا تفقرني بعده إلى أحد سواك أبداً، تزيدني بذلك لك شكراً واليك فاقة وفقراً، وبك عمن سواك غنى وتعففاً. أللهم إني أعوذ بك أن تكون جزاء إحسانك الإساءة مني، أللهم إني أعوذ بك أن أُصلِح عملي فيما بيني وبين الناس، وأُفسدَه فيما بيني وبينك. أللهم إني أعوذ بك أن تَحُولَ سريرتي بيني وبينك، أو تكون مخالِفَةً لطاعتك، أللهم إني أعوذ بك أن يكون شئ من الأشياء آثرَ عندي من طاعتك، أللهم إني أعوذ بك أن أعمل من طاعتك قليلاً أو كثيراً، أريد به احداً غيرَك، أو أعملَ عملاً يخالطه رياء.
أللهم إني أعوذ بك من هوىً يُردي من يَركبُه، أللهم إني أعوذ بك أن أجعل شيئاً من شكري فيما أنعمت به علي لغيرك، أطلب به رضا خلقك، أللهم إني أعوذ بك أن أتعدى حدّاً من حدودك، أتزين بذلك للناس وأركن به إلى الدنيا. أللهم إني أعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بطاعتك من معصيتك، وأعوذ بك منك، جل ثناء وجهك، لا أحصي الثناء عليك ولو حرَصتُ، وأنت كما أثنيت على نفسك، سبحانك وبحمدك. أللهم إني أستغفرك وأتوب إليك من مظالم كثيرة لعبادك عندي، فأيُّما عبدٍ من عبادك، أو أمة من إمائك، كانت له قِبَلي مظلمة ظلمته إياها، في ماله أو بدنه أو عرضه (أي كرامته) لا أستطيع أداء ذلك إليه، ولا أتحللها منه، فصل على محمد وآل محمد وأَرضِه أنت عني بما شئت، وكيف شئت، وهبها لي. وما تصنع يا سيدي بعذابي وقد وسعت رحمتك كلَّ شيء، وما عليك يا رب أن تكرمني برحمتك ولا تهينني بعذابك، ولا يُنقصك يا رب أن تفعل بي ما سألتك، وأنت واجدٌ لكل شئ. أللهم إني أستغفرك وأتوب إليك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه، ومما ضيَّعت من فرائضك وأداء حقك، من الصلاة والزكاة، والصيام والجهاد والحج والعمرة، وإسباغ الوضوء والغسل من الجنابة، وقيام الليل وكثرة الذكر، وكفارة اليمين، والإسترجاع في المصيبة، والصدود من كل شيء قصرت فيه، من فريضة أو سنة. فاني أستغفرك وأتوب إليك منه، ومما ركبت من الكبائر، وأتيت من المعاصي، وعملت من الذنوب واجترحت من السيئات، وأصبت من الشهوات، وباشرت من الخطايا، مما عملته من ذلك عمداً أو خطأ، سراً أو علانية. فإني أتوب إليك منه ومن سفك الدم وعقوق الوالدين وقطيعةالرحم، والفرار من الزحف وقذف المحصنات وأكل أموال اليتامى ظلماً، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة، وأن أشتري بعهدك في نفسي ثمناً قليلا.
وأكل الربا والغُلول والسحت والسحر، والكتمان والطيَرة، والشرك والرياء والسرقة، وشرب الخمر، ونقص المكيال وبخس الميزان والشقاق النفاق، ونقض العهد والفرية والخيانة، والغدر وإخفار الذمة والحلف، والغِيبة والنميمة والبهتان، والهمز واللمز والتنابز بالالقاب، وأذى الجار ودخول بيت بغير إذن، والفخرِ والكبر والإشراك والإصرار والإستكبار، والمشيِ في الأرض مَرَحاَ، والجورِ في الحكم، والإعتداء في الغضب وركوب الحمية، وتعضد الظالم، وعونٍٍ على الإثم والعدوان، وقلة العدد في الأهل والمال والولد، وركوب الظن واتباع الهوى، والعمل بالشهوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفساد في الأرض، وجحود الحق والإدلاء إلى الحكام بغير الحق، والمكر والخديعة والبخل وقولٍ فيما لا أعلم، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهل لغير الله به، والحسد والبغي والدعاء الى الفاحشة، والتمني بما فضل الله والإعجاب بالنفس والمنِّ بالعطية، والإرتكاب الى الظلم وجحود القرآن، وقهر اليتيم، وانتهار السائل، والحنث في الأيْمان، وكلِّ يمينٍ كاذبة فاجرة، وظلمِ أحدٍ من خلقك في أموالهم وأشعارهم وأعراضهم وأبشارهم، وما رآه بصري وسمعه سمعي، ونطق به لساني، وبسطْتُ إليه يدي، ونقلت قدمي وباشره جلدي، وحدثتُ به نفسي مما هو لك معصية، وكلِّ يمين زور، ومن كل فاحشة وذنب وخطيئة عملتها في سواد الليل وبياض النهار، في ملأ أو خلاء، مما علمتُه أو لم اعلمه، ذكرته أو لم اذكره، سمعته أو لم أسمعه، عصيتك فيه ربي طرفة عين، وفيما سواها من حل أو حرام تعديت فيه أو قصرت عنه، منذ يوم خلقتني إلى أن جلست مجلسي هذا، فإني أتوب إليك منه، وأنت يا كريم تواب رحيم. أللهم يا ذا المن والفضل والمحامد التي لا تحصى، صلِّ على محمد وآل محمد واقبل توبتي، لا تردها لكثرة ذنوبي وما أسرفت على نفسي، حتى لا أرجع في ذنب تبت إليك منه، فاجعلها يا عزيز توبة نصوحاً صادقة مبرورة لديك مقبولة مرفوعة عندك، في خزائنك التي ذخرتها لأوليائك حين قبلتها منهم ورضيت بها عنهم. أللهم إنَّ هذه النفس نفس عبدك، وأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تحصِّنها من الذنوب وتمنعها من الخطايا وتحرزها من السيئات، وتجعلها في حصن حصين منيع لا يصل إليها ذنب ولا خطيئة، ولا يفسدها عيب ولا معصية، حتى ألقاك يوم القيامة وأنت عني راضٍ وأنا مسرور، تغبطني ملائكتك وانبياؤك وجميع خلقك، وقد قبلتني وجعلتني طائعاً طاهراً زاكياً عندك من الصادقين.
أللهم إني أعترف لك بذنوبي فصل على محمد وآل محمد، واجعلها ذنوباً لا تُظهرها لأحد من خلقك ياغفار الذنوب يا أرحم الراحمين. سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءً وظلمت نفسي، فصل على محمد وآل محمد واغفر لي، إنك أنت الغفور الرحيم. أللهم إن كان من عطائك ومَنَّك وفضلك وفي علمك وقضائك، أن ترزقني التوبة فصلِّ على محمد وآله، واعصمني بقية عمري وأحسن معونتي في الجد والإجتهاد والمسارعة الى ما تحب وترضى، والنشاط والفرح والصحة، حتى أبلغ في عبادتك وطاعتك التي يحق لك علي رضاك. وأن ترزقني برحمتك ما أقيم به حدود دينك، وحتى أعمل في ذلك بسنن نبيك صلواتك عليه وآله، وافعلْ ذلك بجميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها. أللهم إنك تشكر اليسير وتغفر الكثير، وأنت الغفور الرحيم - تقولها ثلاثا، ثم تقول-: اللهم اقسم لي كلَّ ما تطفئ به عني نائرة كل جاهل، وتُخمِد عني شعلة كل قائل، وأعطني هدى من كل ضلالة، وغنى من كل فقر، وقوة من كل ضعف، وعزاً من كل ذل، ورفعة من كل ضعة، وأمناً من كل خوف، وعافية من كل بلاء. أللهم ارزقني عملاً يفتح لي باب كل يقين، ويقيناً يسد عني باب كل شبهة، ودعاء تبسط لي به الإجابة، وخوفاً تيسر لي به كل رحمة، وعصمة تحول بيني وبين الذنوب، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وتضـرع الى ربـك وتقــول:
يا من نهاني عن المعاصي فعصيته فلم يهتك ستري عند معصيته، يا من ألبسني عافيته فعصيته فلم يسلبني عند ذلك عافية، يا من أكرمني وأسبغ عليّ نعمه فعصيته فلم يُزِلْ عني نعمته، يا من نصح لي فتركت نصيحته فلم يستدرجني عند تركي نصيحته. يا من أوصاني بوصايا كثيرة لا تحصى، إشفاقاً منه عليَّ ورحمة منه لي فتركت وصيته، يا من كتم سيئاتي وأظهر محاسني حتى كأني لم أزَل أعمل بطاعته، يا من أرضيت عباده بسخطه فلم يَكِلْني إليهم ورزقني من سعته، يا من دعاني إلى جنته فاخترت النار فلم يمنعه ذلك أن فتح لي باب توبته. يا من أقالني عظيم العثرات وأمرني بالدعاء وضمن لي إجابته، يا من أعصيه فيسترعلي ويغضب لي إن عيرت بمعصيته. يا من نها خلقه عن انتهاك محارمي وأنا مقيم على انتهاك محارمه، يا من أفنيت ما أعطاني في معصيته فلم يحبس عني عطيته، يا من قويت على المعاصي بكفايته فلم يخذلني ولم يخرجني من كفايته. يا من بارزته بالخطايا فلم يُمَثِّل بي عند جرأتي على مبارزته، يا من أمهلني حتى استغنيت من لذاتي ثم وعدني على تركها مغفرته، يا من أدعوه وأنا على معصيته فيجيبني ويقضي حاجتي بقدرته، يا من عصيته بالليل والنهار وقد وكل بالإستغفار لي ملائكته. يا من عصيته في الشباب والمشيب وهو يتأناني ويفتح لي باب رحمته، يا من يشكر اليسير في عملي وينسى الكثير من كرامته، يا من خلَّصني بقدرته ونجاني بلطفه، يا من استدرجني حتى جانبت محبته، يا من فرض الكثير لي من إجابته على طول إساءتي وتضييعي فريضته. يا من يغفر ظلمنا وحُوبنا وجرأتنا وهولا يجورعلينا في قضيته، يا من نتظالم فلا يؤاخذنا بعلمه ويمهل حتى يحضر المظلوم بينته، يا من يشرك به عبده وهو خلقه فلا يتعاظمه أن يغفر له جريرته، يا من مَنَّ علي بتوحيده وأحصى عليَّ الذنوب وأرجو أن يغفرها لي بمشيته.
يا من أعذر وأنذر ثم عدت بعد الإعذار والإنذار في معصيته، يا من يعلم أن حسناتي لا تكون ثمناً لأصغر نعمه، يا من أفنيت عمري في معصيته فلم يغلق عني باب توبته. يا ويلي ما أقل حيائي، ويا سبحان هذا الرب ما أعظم هيبته، ويا ويلي ما أقطع لساني عند الإعذار، وما عذري وقد ظهرت عليَّ حجته، ها أنا ذا بائح بجرمي، مُقِرٌّ بذنوبي لربي ليرحمني ويتغمدني بمغفرته، يا من الأرضون والسموات جميعاً في قبضته، يا من استحققت عقوبته ها أنا ذا مُقِرٌّ بذنبي. يا من وسع كل شئ برحمته، ها أنا ذا عبدك الحسير الخاطئ اغفر له خطيئته، يا من يجيرني في محياي ومماتي، يا من هو عدتي لظلمة القبر ووحشته، يا من هو ثقتي ورجائي وعدتي لعذاب القبر وضغطته، يا من هو غياثي ومفزعي وعدتي للحساب ودقته، يا من عظم عفوه وكرم صفحه واشتدت نَِقْمُته. إلهي لا تخذلني يوم القيامة، فإنك عدتي للميزان وخِفَّتِه، ها أنا ذا بائح بجرمي مقر يذنبي معترف بخطيئتي، إلهي وخالقي ومولاي صل على محمد وآل محمد واختم لي بالشهادة والرحمة. أللهم اني أسألك بكل اسم هو لك يحق عليك فيه إجابة الدعاء إذا دعيت به، وأسألك بحق كل ذي حق عليك وبحقك على جميع من دونك، أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وآل محمد عبيدك النجباء الميامين، ومن أرادني بسوء فخذ بسمعه وبصره، ومن بين يديه ومن خلفه، وامنعه عني بحولك وقوتك إنك على كل شئ قدير. أللهم إنا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتُذِلُّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة، يا أرحم الراحمين.
أللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا عنا، وكثرة عدونا وقلة عددنا، وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا، فصل على محمد وآل محمد وأعنا على ذلك يا رب بفتح منك تعجله، ونصرٍ تعزه، وسلطان حق تظهره، ورحمة منك تجللناها، وعافيتك فألبسناها، برحمتك يا أرحم الراحمين. أللهم إني لم أعمل الحسنة حتى أعطيتنيها، ولم أعمل السيئة إلا بعد أن زينها لي الشيطان الرجيم، أللهم فصل على محمد وآل محمد وعد عليَّ بعطائك، ودَاوِ دائي، فإن دائي الذنوب القبيجة، ودواءك وعد عفوك وحلاوة رحمتك. أللهم لا تهتك ستري، ولا تُبْدِ عورتي، وآمن روعتي، وأقلني عثرتي، ونفِّس كربتي، واقض عني دَيْني وأمانتي، واخْزِعدوك وعدو آل محمد وعدوي وعدو المؤمنين، من الجن والإنس في مشارق الأرض ومغاربها. أللهم حاجتي حاجتي حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، وهي فكاك رقبتي من النار، فصل على محمد وآل محمد وارض عني، وارض عني، وارض عني حتى ينقطع النفس.
أللهم إياك تعمَّدْتُ بحاجتي وبك أنزلت مسكنتي، فَلْتسعني رحمتك، يا وهاب الجنة، يا وهاب المغفرة، لا حول ولا قوة إلا بك،أين أطلبك يا موجوداً في كل مكان في الفيافي مرة، وفي القِفَار أخرى؟ لعلك تسمع مني النداء، فقد عظم جرمي وقل حيائي، مع تقلقل قلبي وبُعد مطلبي وكثرة أهوالي. رب أيَّ أهوالي أتذكر وأيَّها انسى، فلو لم يكن إلا الموت لكفى، فكيف وما بعد الموت أعظم وأدهى. يا ثقلي ودماري وسوء سلفي وقلة نظري لنفسي، حتى متى وإلى متى أقول: لك العتبى، مرة بعد أخرى، ثم لا تجد عندي صدقا ولا وفاء.
أسألك بحق الذي كنت له أنيساً في الظلمات، وبحق الذين لم يرضوا بصيام النهار وبمكابدة الليل، حتى مضوا على الأسِنَّة قُدُماً، فخضبوا اللحى بالدماء، ورمَّلوا الوجوه بالثرى، إلا عفوت عمن ظلم وأساء. يا غوثاه يا ألله يا رباه، أعوذ بك من هوى قد غلبني، ومن عدو قد استكلب علي، ومن دنيا تزينت لي، ومن نفسٍ امارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فإن كنت سيدي قد رحمت مثلي فارحمني، وإن كنت سيدي قد قبلت مثلي فاقبلني. يا من قبل السحرة فاقبلني، يا من يغذيني بالنعم صباحا ومساءا، قد تراني فريداً وحيداً شاخصاً بصري مقلَّداً عملي، قد تبرأ جميع الخلق مني، نعم وأبي وأمي ومن كان له كدي وسعيي. إلهي فمن يقبلني ومن يسمع ندائي ومن يؤنس وحشتي ومن ينطق لساني إذا غُيِّبْتُ في الثرى وحدي ثم سألْتَني بما أنت أعلم به مني، فإن قلت: قد فعلت، فأين المهرب من عدلك، وإن قلت: لم أفعل، قلت: ألم اكن أشاهدك وأراك.
يا ألله يا كريمَ العفوِ من لي غيرك. إن سألت غيرك لم يعطني، وإن دعوت غيرك لم يجبني، رضاك يا رب قبل لقائك، رضاك يا رب قبل نزول النيران، رضاك يا رب قبل أن تغل الأيدي الى الأعناق، رضاك يا رب قبل أن انادي فلا أجاب النداء. يا أحق من تجاوز وعفى، وعزتك لا أقطع منك الرجاء، وإن عظم جرمي وقل حيائي، فقد لزق بالقلب داء ليس له دواء، يا من لم يَلُذِ اللائذون بمثله، يا من لم يتعرض المتعرضون لأكرم منه. يا من لم تٌشَدَّ الرِّحالُ إلى مثله، صلِّ على محمد وآل محمد واشغَل قلبي بعظيم شأنك، وأرسل محبتك إليه حتى ألقاك وأوداجي تشخب دماً، يا واحد يا أجود المنعمين المتكبرُ المتعال، صلِّ على محمد وآل محمد وافكك رقبتي من النار برحمتك يا ارحم الراحمين.
إلهي قلَّ شكري سيدي فلم تحرمني، وعظُمَتْ خطيئتي سيدي فلم تفضحني، ورأيتني على المعاصي سيدي فلم تمنعني ولم تهتك ستري وأمرتني سيدي بالطاعة فضيَّعتُ ما به أمرتني، فأيُّ فقير افقرُ مني؟
سيدي إن لم تغنني، فأيُّ شقيٍّ أشقى مني إن لم ترحمني. فنعم الرب انت يا سيدي ونعم المولى، وبئس العبد أنا يا سيدي وجدتني، أيْ رباه، ها أنا ذا بين يديك، معترف بذنوبي، مقرٌّ بالإساءة والظلم على نفسي، من أنا يا رب فتقصد لعذابي، أم (مَن) يدخل في مسألتك إن أنت رحمتني. أللهم إني أسألك من الدنيا ما أسد به لساني، وأحْصِنُ به فرجي، وأؤدي به عني أمانتي، وأصل به رحمي، وأتِّجِرُ به لآخرتي، ويكون لي عوناً على الحج والعمرة، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك. وعزتك يا كريم لأُلِحَّنَّ عليك، ولأطلبن إليك، ولأتضرعنَّ اليك، ولأبسطنها إليك، مع ما اقترفنا من الآثام، يا سيدي فبمن أعوذ وبمن ألوذ، كلُّ مَنْ أتيتُه في حاجة وسألته فائدة، فإليك يرشدني وعليك يدلني، وفيما عندك يرغبني. فأسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وعلي بن محمد، والحسن بن علي والحجة القائم بالحق صلواتك يا رب عليهم أجمعين، وبالشأن الذي لهم عندك، فان لهم عندك شأناً من الشأن أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تفعل بي( كذا وكذا. وتسأل حوائجك للدنيا والآخرة فانها تقضى ان شاء الله تعالى.
ثم تقول: أللهم ربَّنا ربَّ كل شيء، منزلَ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم، فالقَ الحب والنَّوى، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها. أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شئ، وأنت الظاهر فليس دونك شيء، فصلِّ على محمد وآله واقض عني الدين وأغنني من الفقر. يا خير من عُبدِ ويا أشكر من حُمِد، ويا أحلم من قَهَر، ويا أكرم من قَدِر، ويا أسمع من نودي، ويا أقرب من نوجي،ويا آمن من استجير، ويا أرأف من استغيث، ويا أكرم من سُئل، ويا أجود من أعطى، ويا أرحم من استُرحِم، صلِّ على محمد وآل محمد وارحم قلة حيلتي، وامنن عليَّ بالجنة طَوْلاً منك، وفك رقبتي من النار تفضلا. أللهم إني أطعتك في أحب الأشياء اليك وهو التوحيد، ولم أعصك في أكره الأشياء إليك وهو الشرك، فصلِّ على محمد وآل محمد واكفني أمر عدوي. أللهم إن لك عدوّاً لا يألوني خَبالا، بصيراً بعيوبي حريصاً على غوايتي، يراني هو وقبيله من حيث لا أراهم، أللهم فصل على محمدوآل محمد، وأعذ من شر شياطين الجن والإنس أنفسنا وأموالنا وأهالينا وأولادنا، وما أُغلقتْ عليه أبوابُنا وما أحاطت به عوراتنا. أللهم وحرمني عليه كما حرمت عليه الجنة، وباعد بيني وبينه كما باعدت بين السماء والأرض، وأبعَدَ من ذلك،اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، ومن رجسه، ونصبه، وهَمزه ولَمزه ونفخه، وكيده ومكره، وسحره ونَزْغِه وفتنته وغوائله، أللهم إني أعوذ بك منهم في الدنيا والآخرة، وفي المحيا والمماة. يا مسمِّيَ نفسِه بالإسم الذي قضى أنّ حاجة من يدعوه به مقضية، أسألك به إذ لا شفيع لي عندك أوثق منه، أن تصليَ على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا وتسأل حاجتك فانها تقضى ان شاء الله تعالى.
ثم تقول: أللهم إن أدخلتني الجنة فأنت محمود، وإن عذبتني فأنت محمود، يا من هو محمود في كل خصاله، صلِّ على محمد وآل محمد وافعل بي ما تشاء وأنت محمود. إلهي أتراك معذبي وقد عفَّرتُ لك في التراب خدي، أتراك معذبي وحبك في قلبي، أما إنك إن فعلت ذلك بي جمعت بيني وبين قوم طال ما عاديتهم فيك. أللهم إني أسألك بكل اسم هو لك يحق عليك فيه الإجابة للدعاء إذا دُعيتَ به، وأسألك بحق كل ذي حق عليك وبحقك على جميع من هو دونك، أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وآله الطاهرين، ومن أرادني أو أراد احداً من إخواني بسوء، فخذ بسمعه وبصره، ومن بين يديه ومن خلفه، وامنعني منه بحولك وقوتك. أللهم ما غاب عني من أمري أو حضرني، ولم ينطق به لساني ولم تبلغه مسألتي أنت أعلم به مني، فصلِّ على محمد وآل محمد وأصلحه لي وسهِّله يا رب العالمين. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ولا تحمل علينا إصراُ كما حمَلته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تُحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. ماذا عليك يا رب لو أرضيت عني كل من له قبلي تبعة، وأدخلتني الجنة برحمتك، وغفرت لي ذنوبي، فإن مغفرتك للخاطئين وأنا منهم، فاغفر لي خطائي يا رب العالمين. أللهم إنك تحلم عن المذنبين وتعفو عن الخاطئين، وأنا عبدك الخاطئ المذنب الحسير الشقي، الذي قد أفزعَتْني ذنوبي وأوبقَتْني خطاياي، ولم أجد لها سادَّاً ولا غافراً غيرك يا ذا الجلال والإكرام. إلهي استعبدَتْني الدنيا واستخدمَتْني، فصرت حيران بين أطباقها، فيامن أحصى القليل فشكَرَه، وتجاوز عن الكثير فغفرهُ بعد أن ستره، ضاعِفْ لي القليل في طاعتك وتقبَّله، وتجاوز عن الكثير في معصيتك فاغفره، فإنه لا يغفر العظيم إلا العظيم، يا أرحم الراحمين. أللهم صلِّ على محمد وآل محمد وأَعِنِّي على صلاة الليل وصيام النهار، وارزقني من الورع ما يحجزني عن معاصيك، واجعل عباداتي لك أيام حياتي، واستعملني أيام عمري بعمل ترضى به عني، وزَوِّدني من الدنيا التقوى، واجعل لي في لقائك خلفا من جميع الدنيا، واجعل ما بقي من عمري دركاً لما مضى من أجلي. أيقنت أنك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة، وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة، فاسمع يا سميع مدحتي، وأجب يا رحيم دعوتي، وأَقِلْ يا غفور عثرتي.
فكم يا إلهي من كربة فرِّجتها، وغمرة قد كشفتها، وعثرة قد أقلتها، ورحمة قد نشرتها، وحلَقة بلاء قد فككتها، ألحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. أللهم وإني أشهدك وكفى بك شهيدا، فاشْهد لي بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت ربي، وأن محمداً رسولك نبيي، وأن الدين الذي شرعت له ديني، وأن الكتاب الذي أنزلت عليه كتابي، وأن عليَّ بن أبي طالب إمامي، وأن الأئمة من آل محمد صلواتك عليه وعليهم أئمتي. أللهم إني أُشهدك وكفى بك شهيدا، فاشهد لي بأنك أنت الله المنعم عليَّ لا غيرك، لك الحمد بنعمتك تتم الصالحات. لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده، وتبارك الله وتعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه، عدَدَ الشفع والوِتر، وعدد كلمات ربي الطيبات المباركات، صدق الله وبلَّغ المرسلون ونحن على ذلك من الشاهدين. أللهم صل على محمد وآل محمد واجعل النور في بصري، والنصيحة في صدري، وذكرَك بالليل والنهارعلى لساني، ومن طَيِّب رزقك الحلال غير ممنون ولا محظور فارزقني. أللهم إني أسألك خير المعيشة معيشة أقوى بها على جميع حاجاتي، وأتوسل بها في الحياة إلى آخرتي، من غير أن تُتْرِفَني فيها فأشقى، وأوسع عليَّ من حلال رزقك، وأَفِضْ عليَّ من سَيْبِ فضلك، نعمة منك سابغة وعطاءً غير ممنون، ولا تشغلني فيها عن شكر نعمتك علي بإكثارٍ منها فتُلهيني عجائب بهجته، وتَفْتِنُني زهرات زينته، ولا بإقلال منها فيقصر بعملي كدٌّه، ويملأ صدري همه، بل أعطني من ذلك غنىً عن شرار خلقك، وبلاغاً أنال به رضوانك، يا أرحم الراحمين.
أللهم إني أعوذ بك من شر الدنيا وشر أهلها وشر ما فيها، ولا تجعل الدنيا علي سجنا، ولا تجعل فراقها لي حزنا، أَجِرْني من فتنتها، واجعل عملي فيها مقبولا، وسعيي فيها مشكورا، حتى أصل بذلك الى دار الحيوان ومساكن الأخيار. أللهم وإني أعوذ بك من أزلها وزلزالها وسطوات سلطانها ومن شر شياطينها وبغْي من بغى عليَّ فيها، فصل على محمد وآله واعصمني بالسكينة، وألبسني درعك الحصينة، وأجِنَّني في سترك الواقي وأصلح لي حالي، وبارك لي في أهلي وولدي ومالي. أللهم صل على محمد وآله وطهر قلبي وجسدي، وزكِّ عملي، واقبل سعيي، واجعل ما عندك خيراً لي، سيدي أنا من حُبِّك جائع لا أشبع، أنا من حبك ظمآن لا أَروى، واشوقاه إلى من يراني ولا أراه. يا حبيب من تحبب إليه، يا قرة عين من لاذ به وانقطع إليه، قد ترى وحدتي من الآدميين ووحشتي، فصل على محمد وآله واغفر لي وآنس وحشتي وارحم وحدتي وغربتي. أللهم إنك عالم بحوائجي غير معلَّم، واسعٌ لها غير متكلِّف، فصل على محمد وآله وافعل بي ما انت أعلم به مني من أمر دنياي وآخرتي. أللهم عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو عندك، يا أهل التقوى وأهل المغفرة. أللهم إن عفوك عن ذنبي وتجاوزك عن خطيئتي، وصفحك عن ظلمي، وسترك على قبيح عملي، وحلمك عن كبير جرمي، عند ما كان من خطاي وعمدي، أطمعني في أن اسألك ما لا أستوجبه منك، الذي رزقتني من رحمتك، فلم أر مولى كريما أصبر على عبدٍ لئيم منك عليَّ يا رب، إنك تدعوني فأولي عنك، وتتحبب إليَّ فأَتبغض إليك، وتتود إلي فلا أقبل منك، وكأن لي التطول عليك، ولم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان الي والتفضل علي بجودك وكرمك، فصل على محمد وآله وارحم عبدك الجاهل، وعد عليه بفضل إحسانك، إنك جواد كريم، أي جواد أي كريم.
ثـم تـقـول: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله بسم الله، باسم عالم الغيب، باسم من ليس في وحدانيته شك ولا ريب، باسم من لا فوت عليه ولا رغبة إلا إليه، باسم المعلوم غير المحدود والمعروف غير الموصوف، باسم من أمات وأحيا، بسم من له الآخرة والأولى، باسم العزيزالأعز، باسم الجليل الأجل. باسم المحمود غير المحدود المستحق له على السراء والضراء، باسم المذكور في الشدة والرخاء، باسم المهيمن الجبار، باسم الحنّان المنان، باسم العزيز من غير تعزز والقدير من غير تقدر، باسم من لم يزل ولا يزول، باسم الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم.
ثـم تقــول: أللهم صل على محمد وآله وأصلحني قبل الموت، وارحمني عند الموت، واغفر لي بعد الموت، أللهم صل على محمد وآله واحطط عنا أوزارنا بالرحمة، وارجع بمسيئنا إلى التوبة. أللهم إن ذنوبي قد كثرت وجَلَّت عن الصفة، وإنها صغيرة في جنب عفوك، فصل على محمد وآله واعف عني، أللهم إن كنتَ ابتليتني فصبِّرني والعافية ( والعاقبة) أحب إلي. أللهم صل على محمد وآله وحَسِّنْ ظني بك وحَقِّقْه، وبّصِّرْ فعلي، وأعطني من عفوك بمقدار أملي ولا تجازني بسوء عملي فتهلكني، فإن كرمك يجل عن مجازاة من أذنب وقصَّر وعاند، وأتاك عائذاَ بفضلك، هارباً منك إليك، متنجزاَ ما وعدت من الصفح عمَّن أحسن بك ظنّا. أللهم صل على محمد وآله واغفر لي والجِلْدُ بارك( بارد) والنًّفَسٌ دائر، واللسان منطلق، والصحف منشرة، والأقلام جارية، والتوبة مقبولة، والتضرع مَرجوّ، قبل أن لا أقدر على استغفارك حين يفنى الأجل وينقطع العمل. أللهم صل على محمد وآله وتَوَلَّنا ولا تُولِنا غيرك، أستغفرك الله"م" استغفارا لا يقدر قدره ولا ينظر أمدَه إلا المستغفَر به، ولا يدري ما وراءه ولا وراء ما وراءه، والمراد به أحد سواه. أللهم إني أستغفرك لما وعدتك من نفسي ثم أخلفتك، وأستغفرك لما تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك لكل خير أردت به وجهك ثم خالطني فيه ما ليس لك، وأستغفرك لكل نعمة أنعمت بها علي ثم قوِيتُ بها على معصيتك".
2- الدعاء الثاني:
عن أبي عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام قال: إذا حضر شهر رمضان فقل: أللهم قد حضر شهر رمضان، وقد افترضت علينا صيامه وأنزلت فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، أللهم أعنا على صيامه، أللهم تقبله منا وسلمنا فيه وتسلمه منا في يسر منك وعافية إنك على كل شئ قدير يا أرحم الراحمين.
3- الدعاء الثالث:
وهو ماتتضمنه الرواية التي ورد فيها دعاء لكل يوم من أيام الشهر العظيم.
و سأذكرها بحوله تعالى موزعة على الأيام مع وقفة عند مضمون دعاء كل يوم.
* دعاء اليوم الأول
"أللهم اجعل صيامي فيه صيام الصائمين وقيامي فيه قيام القائمين ونبّهني فيه عن نومة الغافلين وهب لي جرمي فيه يا إله العالمين واعفُ عني يا عافياً عن المجرمين". وقفة مع مضمونه:ولدى التأمل في مضامين هذا الدعاء نجد أنه يقف بنا عند الفرق بين الظاهر والباطن، الشكل والمحتوى، وأن التفريق بينهما يكون باليقظة والخروج من الغفلة ولا يتحقق ذلك عادةً إلا إذا تخلّص الإنسان من تبعات الذنوب وخرج من حجابها وأسْرِها وهو ما يتوقف على عفوه عز وجل.
"أللهم اجعل صيامي فيه صيام الصائمين"ما أكثر الذين يصومون إلا أن الصوم الحقيقي قليل، إلهي لا أريد أن أكون من الصائمين ظاهراً فقط، الذين ليس لهم من صومهم إلا الجوع والعطش، فاجعلني اللهم من الصائمين حقيقة، في الباطن والسريرة.
"واجعل قيامي فيه قيام القائمين" أريد أن تكون عبادتي لك يا إلهي عبادة حقيقية،وأنى للتراب ورب الأرباب، ما أنا وما عملي." ونبهني فيه من نومة الغافلين".
لا يمكنني أن أحصل على صوم الصائمين وقيام القائمين إلا إذا نبَّهتني يا إلهي عن نومة الغافلين ولا أستحق ذلك ما دامت معاصيّ تحيط بي. إلهي فاعفُ عني حتى أستحق إيقاظك لي فيصبح قيامي قيام القائمين، ويصبح صيامي صيام الصائمين، "وهَب لي جرمي فيه يا إله العالمين."واعفُ عني يا عافياً عن المجرمين"
ختام هو المدخل، فبالإعتراف تبدأ التوبة، وبمقدار مايكون تكون.
إلهي أنا مقر بذنبي، معترف بجرمي، أنا صاحب الدواهي العظمى! فاعفُ عني لتنبّهني من نومة الغافلين، لأصل إلى صيام الصائمين، وقيام القائمين، كما تحب وترضى.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: نم نوم المعتبرين، ولا تنم نومة الغافلين، فان المعتبرين من الأكياس، ينامون استراحة، ولا ينامون استبطاراً. وانْو بنومتك تخفيف مؤنتك على الملائكه، واعتزال النفس عن شهواتها، واختبر بها نفسك، وكن ذا معرفة بانك عاجز ضعيف، لا تقدر على شيء من حركاتك وسكونك، إلا بحكم الله وتقديره، وأن النوم أخ الموت، واستدل بها على الموت، الذي لا تجد السبيل إلى الإنتباه فيه، والرجوع إلى صلاح ما فات عنك، ومن نام عن فريضة أو سنة أو نافلة فاته بسببها شيء، فذلك نوم الغافلين، وسيرة الخاسرين، وصاحبه مغبون، ومن نام بعد فرغه من أداء الفرائض والسنن والواجبات من الحقوق، فذلك نوم محمود...
* أعمال كل ليلة
يلاحظ أن الأيام والليالي الأولى من كل شهر تحظى بوفرة في الأعمال نسبية، وطبيعي أن تكون حصة شهر الله تعالى من ذلك متميزة، وكأن المراد من كثرة الأعمال في البداية التأسيس لما يأتي، وتصحيح المسار، وتحديد الوجهة الصحيحة، بالإضافة إلى أن هذه البدايات مناخ للبذار، وخصوصاً شهر رمضان الذي يفهم من كونه " ربيع القرآن" أنه الموسم الأفضل لكل مفردات رياض التوحيد.
وتتوزع أعمال كل ليلة من هذا الشهر العظيم على ثلاث محطات:
1- الإفطار
2- مابعده قبل النوم، لمن لم يقو على الإحياء.
3- السحر.
وتشترك ليالي الشهر كلها في أكثر الأعمال مع خصوصيات قليلة لكل منها، وكثيرة لبعضها، كماهو الحال في ليالي القدر.
وفي ما يأتي استعراض أهم الأعمال العامة لكل ليلة من شهر رمضان المبارك.
* أولاً: الإفطار
وهو محطة شديدة الأهمية للصائم، ولا تمتد أهميتها لفترة زمنية طويلة، فهي حركة قلب، وإرهاف إحساس، ونبل مشاعر. تماماً كما هو حال من دخل إلى ضيافة عامرة وقد نصبت المائدة. كم يستغرق من الوقت أن ينشرعلى الضيوف بسمة، ويؤدي التحية بلباقة ولياقة، ويخص صاحب الضيافة برد التحية بأدب جم، وكلمات قلب مفعمة بالشكر، لما بدر منه في حقه من تكريم لاعلاقة له بالطعام، فهو لمَّا يتذوقه بعد. وكم هو الفارق بين هذا وبين من دخل إلى مثل هذه الضيافة، وكأنه لايرى إلا الطعام. إن الفارق الزمني لايذكر، ولكن الفارق القيمي والأخلاقي كبير، كبير.
للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، ندرك منها هذه الفرحة التي تلامس شغاف القلوب لدى المشاركة في الضيافة العامرة، بالأدب الجم، الذي قد يخدش بهاءه كلمة من هنا، أو إشارة من هناك.
فعلى ماذا نفطر؟ وكيف سنفطر؟
في الجواب على السؤال الأول: ورد ذكر الماء والتمر وغيرهما،ولكن الأهم من ذلك مابينه السيد ابن طاوس عليه الرحمة بقوله:" وكلما كان الذي يفطر عليه الإنسان أبعد من الشبهات، وأقرب إلى المراقبات كان أفضل أن يفطر به، ويجعله مطية ينهض بها في الطاعات، وكسوة لجسده يقف بها بين يدي سيده".
وفي الجواب على السؤال الثاني: ورد في آداب الإفطار استحباب أذكار مختصرة، وسورة القدر، ويمكن للصائم اختيار أحدها، كما ورد استحباب دعاء أطول من الأذكارة والسورة، والغالب الحث على الأول، إلا أن الحث على الثاني كبير جداً. وهما كما يلي:
1- عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من عبد يصوم ويقول عند إفطاره هذا الدعاء، إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وهو: ياعظيم ياعظيم ياعظيم، أنت الله الذي لاإله إلا أنت، اغفر لي الذنب العظيم، إنه لايغفر الذنب العظيم إلا أنت ياعظيم.
2- عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا أفطر قال: أللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا، فتقبله منا، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وبقي الأجر.
3- كان أمير المؤمنين عليه السلام : إذا أراد أن يفطر، قال: أللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منا إنك أنت السميع العليم.
4- عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لكل صائم عند فطره دعوة مستجابة، فإذا كان في أول لقمة، فقل: بسم الله، ياواسع المغفرة، اغفر لي، فمن قالها عند إفطاره، غُفر له.
5- عن الإمام الصادق عليه السلام: من قرأ "القدر" عند سحوره وعند إفطاره".." كان بينهما كالمتشحط بدمه في سبيل الله.
6- وأما الدعاء المشار إليه، فقد قال فيه السيد ابن طاوس عليه الرحمة:" ومن الدعاء المختص بالإفطار في شهر الصيام، ما رويناه بأسنادنا إلى المفضل بن عمر رحمه الله قال: قال الصادق عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين عليه السلام: يا أبا الحسن هذا شهر رمضان قد أقبل، فاجعل دعاءك قبل فطورك، فإن جبرئيل عليه السلام جاءني فقال: يا محمد من دعا بهذا الدعاء في شهر رمضان قبل أن يفطر، استجاب الله تعالى دعاءه، وقبل صومه وصلاته، واستجاب له عشر دعوات، وغفر له ذنبه، وفرج همه، ونفس كربته، وقضى حوائجه، وأنجح طلبته، ورفع عمله مع أعمال النبيين والصديقين، وجاء يوم القيامة ووجهه أضوأ من القمر ليلة البدر، فقلت: ما هو يا جبرئيل؟ فقال: قل: "أللهم رب النور العظيم، ورب الكرسي الرفيع، ورب البحر المسجور، ورب الشفع الكبير، والنور العزيز، ورب التوراة والإنجيل والزبور، والفرقان العظيم. أنت إله من في السموات وإله من في الأرض لا إله فيهما غيرك، وأنت جبّار من في السموات وجبار من في الأرض لا جبار فيهما غيرك، أنت ملك من في السموات، وملك من في الأرض، لا ملك فيهما غيرك، أسألك باسمك الكبير، ونور وجهك المنير، وبملكك القديم. يا حيُّ يا قيوم، يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم، أسألك باسمك الذي أشرق به كل شيء، وباسمك الذي أشرقت به السموات والأرض، وباسمك الذي صلح به الأولون، وبه يصلح الآخرون. يا حيّاً قبل كل حي، ويا حيا بعد كل حي، ويا حيُّ لا إله إلا أنت، صل على محمد وآل محمد، واغفر لي ذنوبي، واجعل لي من أمري يسراً وفرجاً قريباً، وثبتني على دين محمد وآل محمد، وعلى هدى محمد وآل محمد، وعلى سنة محمد وآل محمد، وعليه وعليهم السلام. واجعل عملي في المرفوع المتقبل، وهب لي كما وهبت لأوليائك وأهل طاعتك، فإني مؤمن بك، ومتوكل عليك، منيبٌ إليك، مع مصيري إليك، وتجمع لي ولأهلي ولولدي الخير كله، وتصرف عني وعن ولدي وأهلي الشر كله. أنت الحنّان المنان بديع السموات والأرض، تعطي الخير من تشاء، وتصرفه عمن تشاء، فامنن علي برحمتك يا أرحم الراحمين ".
وقد أورد الشيخ الطوسي الدعاء المتقدم باختلاف خصوصاً في آخره، واختلاف في العدد، فقال رضوان الله عليه: "ويستحب لمن صام أن يدعو بهذه الدعاء قبل إفطاره، سبع مرات: أللهم رب النور العظيم ورب الكرسي الواسع ورب العرش العظيم ورب البحر المسجور ورب الشفع والوتر، ورب التورية والإنجيل ورب الظلمات والنور ورب الظل والحرور ورب القرءان العظيم، أنت إله من في السموات وإله من في الأرض، لا إله فيهما غيرك، وأنت جبار من في السموات وجبار من في الأرض لا جبار فيهما غيرك، وأنت خالق من في السماء وخالق من في الأرض لا خالق فيهما غيرك، وأنت ملك من في السماء وملك من في الأرض لا ملك فيهما غيرك، أسألك باسمك الكبير ونور وجهك المنير وبملكك القديم إنك على كل شئ قدير، وباسمك الذي أشرق له نور حجبك، وباسمك الذي صلح به الأولون وبه يصلح الآخرون، يا حياً قبل كل حي، ويا حي بعد كل حي ويا حي محيي الموتى، يا حي لا إله إلا أنت صل على محمد وآل محمد واغفر لنا ذنوبنا واقض لنا حوائجنا واكفنا ما أهمنا من أمر الدنيا والآخرة، واجعل لنا من أمرنا يسراً وثبتنا على هدى رسولك محمد صلى الله عليه وآله،واجعل لنا من كل غم وهم وضيق فرجاًومخرجاً،واجعل دعاءنا عندك في المرفوع المتقبل المرحوم، وهب لنا ماوهبت لأهل طاعتك من خلقك فإنا مؤمنون بك منيبون إليك متوكلون عليك ومصيرنا إليك. أللهم اجمع لناالخير كله واصرف عنا الشر كله إنك أنت الحنان المنان بديع السموات والأرض تعطي الخير من تشاءوتصرفه عمن تشاء. أللهم أعطنا منه وامنن علينا به يا أرحم الراحمين ياألله يارحمن يا رحيم يا ذا الجلال والإكرام يا ألله أنت الذي ليس كمثله شئ ياأجود من سئل يا أكرم من أعطى ياأرحم من استرحم، صل على محمد وآله وارحم ضعفي وقلة حيلتي إنك ثقتي ورجائي، وامنن علي بالجنة وعافني من النار برحمتك يا أرحم الراحمين، واجمع لنا خير الدنيا والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين.
* تقديم الصلاة، أو الإفطار؟
قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة:" وروى زرارة وفضيل عن أبي جعفر( الإمام الباقر) عليه السلام: في رمضان تصلي ثم تفطر إلا أن تكون مع قوم ينتظرون الإفطار، فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم وأفطر ثم صل وإلا فابدأ بالصلاة. قلت: ولم ذلك؟ ( أي ماهو السبب في تقديم الصلاة عندما لايكون الصائم مع قوم ينتظرون) قال: لأنه قد حضرك فرضان الإفطار والصلاة فابدأ بأفضلهما وأفضلهما الصلاة، ثم قال: تصلي وأنت صائم، فتكتب صلاتك تلك، فتختم بالصوم أحب إلي ".
* آداب الإفطار
قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة:" فصل فيما نذكره من كيفية خروج الصائم من صومه ودخوله في حكم الإفطار.إعلم أن للصائم معاملة كلف باستمرارها قبل صومه، ومع صومه، وبعد صومه، فهي مطلوبة منه قبل الإفطار، ومعه وبعده، في الليل والنهار، وهي طهارة قلبه مما يكرهه مولاه، واستعمال جوارحه فيما يقربه من رضاه، فهذا أمر مرادٌ من العبد مدة مقامه في دنياه. وأما المعاملة المختصة بزيادة شهر رمضان، فإن العبد إذا كان مع الله جل جلاله، يتصرف بأمره في الصوم والإفطار، في السر والإعلان، فصومه طاعة سعيدة، وإفطاره بأمر الله جل جلاله عبادة أيضاً جديدة. فيكون خروجه من الصوم إلى حكم الإفطار، خروجَ ممتثلٍ أمرَ الله جل جلاله، وتابع لما يريده منه من الإختيار، متشرفاً ومتلذذاً بأن سلطان الدنيا والآخرة ارتضاه أن يكون ببابه، منصرفاً إلى خدمته، منتسباً إلى دولته وسلطته، وأنه وفَّقه للقبول منه، وسلمه من خطر الإعراض عنه. وإياه وأن يعتقد أنه بدخول وقت الإفطار قد أعفي من هيبة المطالبة بطهارة الأسرار، وإصلاح الأعمال في الليل والنهار، وهو يعلم أن الله جل جلاله ما أعفاه(من الصيام) إلا لمزيد دوام إحسانه إليه، وإقباله بالرحمة عليه. وكيف يكون العبد متهاوناً باقبال مالكٍ حاضرٍ محسنٍ إليه، ويُهَوِّن من ذلك ما لم يُهَوَّن، ألم يسمع مولاه يقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.
وفي هدي ماتقدم يمكن القول:
إعلم أن الإفطار نوع إحلال بعد إحرام، وخروج من الحمى الخاص بعد الدخول فيه، وأن مابين الإفطار والإمساك التالي، نوع تمتع بالحج، يعقبه دخول الحمى مجدداً، في موعد الإحرام التالي، وليكن ذلك نصب عيني القلب طيلة ضيافة الرحمن،واستحضره في كل ليلة عند الإفطار، فإنك بحول الله تعالى تجد بركاته عندما يحين موعد الخروج من البيت الحرام والحرم عموماً إلى عرفات ومنى ليلة العيد، وموعد العودة إلى الديار بعد السادس من شوال، وانتهاء موسم الضيافة وما يتبعها من صيام مستحب.
* مابعـد الإفطار
وتتوزع أعمال مابعد الإفطار وقبل السحر عادة على أدعية الليلة عموماً وأبرزها دعاء الإفتتاح، وعلى صلاة الليلة الخاصة أو العامةأو كليهما. وسأورد في عمل كل يوم الصلاة الخاصة بكل ليلة تليه، وأما أدعية الليالي فلا يتسع المجال لذكرها لكثرتها، ويمكن لمن شمله التوفيق أن يرجع إلى ماأورده السيد في الإقبال، أويرجع إن أراد الأدعية المختصرة لكل ليلة إلى ما أورده الشيخ الكفعمي في البلد الأمين.
ومن المفيد هنا ما يأتي من الإشارة إلى أهمية دعاء الإفتتاح، والراجح عند الفقهاء من روايات صلاة كل ليلة من ليالي شهر رمضان.
* الغسل
ولا بد من التنبيه هنا على استحباب الغسل في كل ليلة مفردة، أي الأولي، الثالثة، الخامسة، وهكذا.
قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة:وقد بينا ليالي الغسل وهي أربع ليال: ليلة سبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدي وعشرين وثلث وعشرين، وإن اغتسل ليالي الأفراد كلها وخاصة ليلة النصف، كان له فيه فضل كثير.
وفي العروة الوثقى:
يستحب الغسل في ليالي الأفراد من شهر رمضان، وتمام ليالي العشر الأخيرة، ويستحب في ليلة الثالث والعشرين غسل آخر في آخر الليل، وأيضا يستحب الغسل في اليوم الأول منه، فعلى هذا الأغسال المستحبة فيه اثنان وعشرون. وقيل باستحباب الغسل في جميع لياليه حتى ليالي الأزواج، وعليه يصير(اثنان وثلاثون) ولكن لا دليل عليه، لكن الإتيان لاحتمال المطلوبية في ليالي الأزواج من العشرين الأوليين لا بأس به. والآكد منها: ليالي القدر وليلة النصف، وليلة سبعة عشر، والخمس وعشرين، والسبع وعشرين، والتسع وعشرين منه.
أضاف:
يستحب أن يكون الغسل في الليلة الأولى واليوم الأول من شهر رمضان في الماء الجاري، كما أنه يستحب أن يصب على رأسه قبل الغسل أو بعده ثلاثين كفاً من الماء ليأمن من حكة البدن ولكن لادخل لهذا العمل بالغسل، بل هو مستحب مستقل. ( مسألة 16 ): وقت غسل الليالي تمام الليل، وإن كان الأولىالإتيان به أول الليل، بل الأولى الإتيان به قبل الغروب أو مقارناً له ليكون على غسل من أول الليل إلى آخره، نعم لا يبعد في ليالي العشر الأخيرة رجحان الإتيان به بين المغرب والعشاء لما نقل من فعل النبي صلى الله عليه وآله، وقد مر أن الغسل الثاني في الليلة الثالثة والعشرين في آخره.
( مسألة 17 ): إذا ترك الغسل الأول في الليلة الثالثة والعشرين في أول الليل لا يبعد كفاية الغسل الثاني عنه وإن كان الأولى الإتيان بهما آخر الليل برجاء المطلوبية، خصوصا مع الفصل بينهما، ويجوز الإتيان بغسل واحد بعنوان التداخل وقصد الأمرين. . السيد اليزدي، العروة الوثقى2/149- 150(ط:جديدة).
* دعاء الإفتتاح
قال الشيخ الطوسي:دعاء كل ليلة من شهر رمضان من أول الشهر إلى آخره: اللهم إني أفتتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمنك.." وأورد الدعاء بتمامه إى " وعافية منك تلبسناها برحمتك يا أرحم الراحمين".
وقال السيد ابن طاوس: فصلٌ، فيما نذكره من دعاء الإفتتاح وغيره من الدعوات التي تتكرر كل ليلة إلى آخر شهر الفلاح فمن ذلك الدعاء الذي ذكره محمد بن أبي قرة بأسناده فقال: حدثني أبو الغنائم محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله الحسني قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن محمد بن نصر السكوني رضي الله عنه، قال: سألت أبا بكر أحمد بن محمد بن عثمان البغدادي رحمه الله أن يخرج إلي أدعية شهر رمضان التي كان عمه أبو جعفر محمد بن عثمان بن السعيد العَمْري(السفير الثاني للإمام صاحب الزمان) رضي الله عنه وأرضاه يدعو بها، فأخرج الي دفتراً مجلداً بأحمر، فنسخت منه أدعية كثيرة وكان من جملتها: وتدعو بهذا الدعاء في كل ليلة من شهر رمضان، فإن الدعاء في هذا الشهر تسمعه الملائكة وتستغفر لصاحبه، وهو: أللهم إني أفتتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمَنِّك" وأورد الدعاء كما أورده الشيخ الطوسي عليهما الرحمة.
* صلاة كـل ليـلة
تعددت الروايات حول صلاة كل ليلة، وما وجدته على ثلاثة أقسام هي كما يلي:
1- روايات صلاة الألف ركعة موزعة على الليالي. ويأتي مزيد إيضاح، وهي التي ينبغي الإهتمام بها أكثر من غيرها، لما ستعرف من رأي الفقهاء، ولأن سيد العلماء المراقبين السيد ابن طاوس قال عن الصلوات الآتية:واعلم أنني تركت ذكر صلوات في ليالي شهر رمضان ما وثقت بطرقها ورواتها، وصُرفت عن إثباتها.
2- رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله تارة، وعن أمير المؤمنين عليه السلام تارة أخرى باختلاف يسير، وقد وردت فيها لكل ليلة صلاة خاصة.
3- صلاة واحدة مختصرة، يؤتى بها في كل ليلة.قال الكفعمي: "ويستحب أن يصلي في كل ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمد مرة، والتوحيد ثلاثا، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظ لايغفل، سبحان من هو رحيم لايعجل، سبحان من هو قائم لايسهو، سبحان من هو دائم لايلهو. ثم يقول التسبيحات الأربع سبعاً، ثم يقول: سبحانك سبحانك ياعظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثم تصلي على النبي عشراً. من صلاها غفر الله له سبعين ألف ذنب. ".
والمراد بالتسبيحات الأربع: سبحان الله والحمد لله ولاإله إلا الله والله أكبر.
ويستطيع المؤمن اختيار إحدى هذه الروايات، إلا أن صلاة الألف ركعة هي الأرجح، ولذلك فسأقف عندها في ما يلي بشيء من التفصيل، ثم أعتمد في عمل كل يوم وليلة ذكر هذه الصلاة – الألف ركعة – أولاً، ثم أذكر الصلاتين الثانية والثالثة، بالترتيب المذكور آنفاً، والسبب في ذكر الصلوات الثلاثة لكل ليلة، أن لايُحرم من صلاة الليلة من لايوفق لحصة تلك الليلة من الألف ركعة، ويكون أمام خيارين آخرين يمكنه الأخذ بأحبهما إليه، مع التنبه جيداً إلى أن الفارق بين الأولى وغيرها كبير جداً.
* ترجيح الأولى: الألـف ركعـة
ويرجح أغلب الفقهاء اعتماد الألف ركعة التي وردت في عدة روايات إلا أن هناك اختلافاً في عدة موارد، والنتيجة العملية أنه يمكن الإتيان بهذه الألف ركعة بإحدى طريقتين:
الأولى: عشرون ركعة في كل ليلة من أول الشهر إلى العشرين منه، وثلاثون لكل ليلة من العشرالأخيرة، وثلاثماءة يؤتى بها ليالي تسع عشرة، وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، فيكون المجموع ألف ركعة.
قال الشهيدان الأول والثاني: " ثمان بعد المغرب واثنتا عشرة بعد العشاء، ويجوز العكس وفي كل ليلة من العشر الأخيرة ثلاثون ركعة: ثمان منها بعد المغرب، والباقي بعد العشاء. ويجوز اثنتا عشرة بعد المغرب، والباقي بعد العشاء ".
ويقرأ في كل ركعة الحمد مرة والتوحيد مرة أو ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو عشراً، يختار المصلي بين ذلك، فقد تضمنت رواية هذه الصلاة عن الإمام الصادق قوله عليه السلام: " تقرأ في هذه الصلوات كلها أعني صلاة شهر رمضان،الزيادة منها، بالحمد و قل هو الله أحد، إن شئت مرة، وإن شئت ثلاث مرات، وإن شئت خمس مرات، وإن شئت سبعاً، وإن شئت عشراً". وهناك دعاء خاص بعد كل ركعتين، وهو بصيغتين: مطولة، ومختصرة.ويأتي ذكرالدعاء المختصر، في آخر الحديث عن كيفية الصلاة.
الثانية: الصلاة في جميع الليالي كما تقدم،ويتم توزيعها بين المغرب والعشاء وبعد العشاء، ويقرأ فيها كما تقدم، ولكن لاتصلى العشرون ركعة، ولا الثلاثون في ليالي القدر أي لاتصلى عشرون ركعة ليلة تسع عشرة، ولا تصلى ثلاثون ركعة ليلة إحدى وعشرين ولا ثلاثون ليلة ثلاث وعشرين، فيكون ما نقص من الألف ثمانين ركعة، يؤتى بها كما يلي:
أ- تفرَّق في أربع جمع، في كل جمعة عشر ركعات، أربع منها صلاة أمير المؤمنين عليه السلام، وركعتان صلاة فاطمة الزهراء عليها السلام، وأربع ركعات صلاة جعفر رضوان الله تعالى عليه.
ب- ويؤتى في ليلة آخر جمعة بعشرين ركعة صلاة أمير المؤمنين عليه السلام، وفي ليلة آخر سبت منه بعشرين ركعة صلاة فاطمة عليها السلام فيكون ذلك تمام ألف ركعة.وبالإمكان الرجوع في معرفة هذه الصلوات إلى " مفاتيح الجنان" فهي مذكورة في أوائله.وقد لخص الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه الرأيين المتقدمين، تحت عنوان" عدد النوافل في شهر رمضان" فقال:وعددها سوى نوافل الفرائض ألف ركعة، منها أربع مائة في عشرين ليلة بحساب كل ليلة عشرون ركعة، ثمان بين المغرب والعشاء الآخرة، واثنتا عشرة بعد العشاء الآخرة، وثلاث مائة ركعة في العشر الثاني، في كل ليلة ثلاثون ركعة منها ثمان بين العشائين واثنتان وعشرون بعد العشاء الآخرة، فذلك سبع مائة ركعة. وثلاث مائة في ثلاث ليال من جملة الشهر، ليلة تسع عشرة مائة ركعة، وليلة احدى وعشرين مائة ركعة، وليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة، فذلك تكملة ألف ركعة في طول الشهر. وقد روي أن الليالي التي يصلي فيها المائة يسقط فيها ما يجب في غيرها من ليالي الشهر، فيسقط بحساب الثلاث ثمانون ركعة تصلى على ما جاء به الأثر في ست دفعات: في يوم كل جمعة من الشهر عشر ركعات، أربع منها صلاة أمير المؤمنين عليه السلام، وأربع صلاة جعفر بن أبي طالب، وركعتان صلاة فاطمة عليها السلام. ويصلى ليلة آخر جمعة من الشهر عشرون ركعة من صلاة أمير المؤمنين عليه السلام، وفي ليلة آخر سبت من الشهر عشرون ركعة من صلاة فاطمة عليها السلام. فذلك ثمانون ركعة بدل الثمانين الساقطة تكملة الألف ركعة.
وتصرح كلمات العلماء بأن بالإمكان الإختيار بين الطريقتين، وإن كان السيد ابن طاوس يرجح الثانية التي رجحها الشيخ الطوسي رحمهما الله تعالى، ولذلك قال: " إعلم أن الظاهر في العمل في ترتيب نافلة شهر رمضان هو ما قد تضمنه مصباح جدي أبي جعفر الطوسي رضوان الله جل جلاله عليه ".. " وهذا الترتيب في نوافل شهر رمضان هو اختيار الشيخ المفيد في كتاب المقنعة ".
وقال الشهيد الثاني: " نافلة شهر رمضان ) ( وهي ) في أشهر الروايات ( ألف ركعة ) موزعة على الشهر ( غير الرواتب في ) الليالي ( العشرين ) الأَُوَل ( عشرون كل ليلة ) ثمان بعد المغرب واثنتا عشرة بعد العشاء )، ويجوز العكس ( وفي ) كل ليلة من ( العشر الأخيرة ثلاثون ) ركعة ): ثمان منها بعد المغرب، والباقي بعد العشاء. ويجوز اثنتا عشرة بعد المغرب، والباقي بعد العشاء ( وفي ليالي الإفراد ) الثلاث: وهي التاسعة عشرة والحادية والعشرون والثالثة والعشرون ( كل ليلة مائة) مضافة) إلى ما عين لها سابقا، وذلك تمام الألف: خمسمائة في العشرين) وخمسمائة في العشر. ( ويجوز الاقتصار عليها فيفرق الثمانين ) المتخلفة: وهي العشرون في التاسعة عشر، والستون في الليلتين بعدها ( على الجمع ) الأربع. فيصلي في يوم كل جمعة عشرا بصلاة علي، وفاطمة، وجعفر عليهم السلام. ".." وفي ليلة آخر جمعة عشرون بصلاة علي عليه السلام. وفي ليلة آخر سبت عشرون بصلاة فاطمة عليها السلام. وأطلق تفريق الثمانين على الجُمِع مع وقوع عشرين منها ليلةالسبت تغليباً، ولأنها عشية جمعة تنسب إليها في الجملة. ولو نقص الشهر سقطت وظيفة ليلة الثلاثين. ولو فات شئ منها استحب قضاؤه ولو نهاراً وفي غيره. والأفضل قبل خروجه ".
قال الحر العاملي: " وفي أحاديث هذه النوافل اختلاف في الكمية والكيفية وهو محمول على التخيير أو الجَمْع والتعدد ".
واعلم أنه يستحب صلاة مائة ركعة غير الألف يؤتى بها في ليلة النصف من شهر رمضان. قال الشيخ المفيد عليه الرحمة:" ويستحب أن يصلى الانسان في ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة زيادة على الالف، فقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله: من صلى ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة منها فاتحة الكتاب و قل هو الله أحد، عشر مرات أهبط الله إليه من الملائكة عشرة، يدرؤون عنه أعداءه من الجن والإنس، وأهبط إليه عند موته ثلاثين ملكاً يؤمنونه من النار".
* الدعاء بعد كل ركعتين أورد الشيخ الطوسي، ونقل عنه السيد ابن طاوس أدعية مطولة يدعى بها بعد كل ركعتين من العشرين ومن الثلاثين، وبعد كل ركعتين من المائة التي يؤتى بها في ليالي القدر، ومن أرادها يمكنه الرجوع إلى مصباح المتهجد،أو الإقبال.
وسأكتفي هنا بذكر دعاء مختصر، يدعى به بعد كل ركعتين:عن الإمام العسكري عليه السلام: وليكن مماتدعو به كل ليلة بين كل ركعتين من نوافل شهر رمضان: أللهم اجعل في ما تقضي وتقدر من الأمر المحتوم، أن تجعلني من حجاج بيتك الحرام المبرور حجهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، وأسألك أن تطيل عمري في طاعتك، وتوسع في رزقي يا أرحم الراحمين. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
قال السيد ابن طاوس:" وان كان لك عذر صالح ومانع واضح، فاعمل بالأدعية المختصرات ".." ولعلها لمن يكون له عذر عن أكثر منها من الأدعية في بعض الأزمان، أو تكون مضافة إلى غيرها من الدعاء، لقوله في الحديث: وليكن مما تدعو به ".
* صلاة الليلة الثانية
عن رسول الله صلى الله عليه وآله:" ومن صلى في الليلة الثانية أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر عشرين مرة غفر الله له جميع ذنوبه". وقد تقدم الكلام عن الصلاة الأخرى التي يؤتى بها في كل ليلة بطريقة ثابتة.
* السحور
قد يخطر بالبال السهر إلى وقت متأخر، وتناول الطعام ثم النوم إلى الصباح، وقد يستغني البعض عن الطعام في وقت متأخر، وقد يبدأ اللجوء إلى ذلك بدعوى أنه مؤقت وطاريء، وبتكراره يزول الحاجز النفسي بين هذا الصائم والعناية بوقت السحر.
لذلك وجب التنبه إلى أن السحور غير السحر، وقد ورد الحث على كل منهما بما يناسبه، وأن الحرمان من أسحار شهر رمضان يكاد يضاهي الحرمان من الشهر كله، إلا إذا كان هناك عذر وجيه لايحمل أدنى شائبة من التهاون بأيام الله تعالى ولياليه، وأفضل ساعاته وفيض مناجاته.
*ومن الروايات حول السحور:عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
1- تسحروا ولو بجرع الماء ألا صلوات الله على المتسحرين.
2- السحور بركة فلا تدع أمتي السحور..".
3- إن الله تبارك وتعالى وملائكته يصلون على المستغفرين والمتسحرين بالأسحار، فليتسحر أحدكم ولو بشربة من ماء.."
4- عن الإمام الصادق عليه السلام: ما من مؤمن صام فقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدرعند سحوره وعند إفطاره، إلا كان في ما بينهما كالمتشحط بدمه في سبيل الله. وقد تقدم ذكرالرواية في الإفطار.
* آداب السحور
قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة:واما آداب السحور، فمنها: أن يكون لك حال مع الله جل جلاله، تعرف بها أنه يريدك أن تتسحر، وبماذا تتسحر، ومقدار ما تتسحر به، فإن ذلك يكون من أعظم سعادتك، حيث نقلك الله جل جلاله برحمته من معاملة شهوتك وطبيعتك إلى تدبيره جل جلاله في إرادتك. ومنها: أن لا يكون لك معرفة بهذه الحال ولا تصدق بها حتى تطلبها من باب الكرم والإفضال، فلا تتسحر سحوراً يثقلك عن تمام وظائف الأسحار، وعن لطائف الطاعات في إقبال النهار.
ويبدو أنه رضوان الله تعالى عليه يرمز إلى مرتبة عالية يشكل المدخل إليهاالحرص على أن لايثقل السحور عن العبادة بتوجه، واللجوء إلى الله تعالى ليتفضل بما هو أهله.
* نية الصوم
قال السيد:ويكون القصد بنية الصوم أنك تعبد الله جل جلاله بصومك واجباً لأنه أهل للعبادة، وتعتقد أنه من أعظم المنة عليك، حيث جعلك الله أهلاً لهذه السعادة، سواء قصدت بالنية الواحدة صوم الشهر كله، أو جددت كل يوم نية لصوم ذلك اليوم، ليكون أبلغ لك في الظفر بفضله، وإن تهيأ أن تكون نيتك أن تصوم عن كل ما شغل عن الله، فذلك الصوم الذي تنافس المخلصون في مثله.
* أي صوم نريد؟
وتحدث السيد عليه الرحمة عن أصناف الصائمين، إلى أن قال:" وصنف، صاموا معتقدين أن المنة لله جل جلاله عليهم في صيامهم وثبوت أقدامهم، عارفين بما في طاعته من إكرامهم وبلوغ مرامهم، فهؤلاء أهل الظفر بكمال العنايات وجلال السعادات. واعلم أن لأهل الصيام مع استمرار الساعات واختلاف الحركات والسكنات [ درجات ]، في أنهم ذاكرون أنهم بين يدي الله جل جلاله، وأنه مطلع عليهم، وما يلزمهم لذلك من إقبالهم عليه، ومعرفة حق إحسانه إليهم، فحالهم في الدرجات على قدر استمرار المراقبات، فهم بين متصل الإقبال مكاشف ذلك الجلال، وبين متعثرٍ بأذيال الإهمال، وناهض من تعثره بإمساك يد الرحمة له والإفضال، ولا يعلم تفصيل مقدار مراقباتهم وتكميل حالاتهم، إلا المطلع على اختلاف إرادتهم. فارحم روحك أيها العبد الضعيف الذي قد أحاط به التهديد والتخويف، وعُرض عليه التعظيم والتبجيل والتشريف أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضى، بالنبي المصطفى وآله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.والحمد لله رب العالمين1.
1-مناهل الرجاء / الشيخ حسين كوراني.
|