الحديقة السابعة
وفيها
* هل نحب الله تعالى
* الرصيد كبير، فأين الرعاية
* أشدُّ حباً لله
* نتائج حديث الحب
* الحب أفضل من الخوف
* الحب لايلغي الخوف
* وهل الدين إلا الحب؟
* دعاء اليوم السابع
* صلاة الليلة الثامنة
* هل نحب الله تعالى
في بعض الحلقات المتقدمة كان حديث عن حب الله عز وجل لنا وأنه سبحانه من حبه لنا
عطف علينا قلوب الأمهات،ومن حبه لنا أنه حدّد الأحكام الشرعية التي تحفظ كرامتنا،
ومن حبه لنا عز وجل مَنَّ علينا بشهره شهر رمضان لكي نصل إلى رضوانه. إلى غير ذلك
من الأمور التي تقدمت.
وحب الله عز و جل لنا، منطَلَق لتفكيرنا بحبنا لله سبحانه وتعالى.
عندما نلقي نظرة على أدعية شهر رمضان المبارك – خصوصا دعائي الإفتتاح والسحر- نجد
أنها تركّز على زرع حب الله في نفوسنا، أي حبنا له تعالى، و تنمية هذا الحب.
وهذه بعض النماذج:
1- من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك.
2- ألحمد لله الذي وكلني إليه فأكرمني ولم يكلني إلى الناس فيهينوني والحمد لله
الذي تحبَّب إليّ وهو غني عني والحمد لله الذي يحلم عني حتى كأني لا ذنب لي، فرَبي
أحمد شيء عندي وأحقُّ بحمدي.
3- عليك يا واحدي عَكَفَتْ همتي وفيما عندك انبسطت رغبتي ولك خالص رجائي وخوفي وبك
أنِسَت محبتي وإليك ألقيتُ بيدي.
4- فصرتُ أدعوك آمناً وأسألك مستأنساً لا خائفاً ولا وجلاً أو الحمد لله على حلمه
بعد علمه، والحمد لله على عفوه بعد قدرته والحمد لله على طول أناته في غضبه وهو
القادر على ما يريد.
5- والمضامين في هذا المجال كثيرة جداً، ودعاء الإفتتاح زاخر بمعانٍ من شأنها أن
تنمّي حب العبد لسيده، "فلم أرَ مولىً كريماً أصبر على عبد لئيم منك عليّ يا رب إنك
تدعوني فأُوَلّي عنك وتتحبّب إليّ فأتبغّض إليك.
وتريد هذه المضامين بشكل عام أن تنقلنا إلى حبنا لله عز وجل من خلال التأكيد على حب
الله عز وجل لنا، لنتعامل مع ربنا سبحانه وتعالى على أساس الحب.
أي أن علينا بعد الإعتقاد، أن نحب ربناسبحانه وتعالى.
لا يصح أن نكتفي بالإعتقاد بالله عز وجل فقط مع أنه واجب، وإنما يجب أن نهتم بأن
تصبح العلاقة بيننا وبينه تقدّست أسماؤه علاقة حب.
قال عز وجل:
﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ
وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم
مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ
اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾
( التوبة 24)
والآية الكريمة واضحة الدلالة على أنه يجب أن يكون حبُّنا لله عز وجل وحبُّنا لرسول
الله صلى الله عليه وآله وحبُّنا للجهاد في سبيل الله تعالى أكثر من حبنا لآبائنا
وأبنائنا وإخواننا وأزواجنا وعشيرتنا وأموالنا وتجارتنا ومساكننا التي تعجبنا.
وبديهي أن حب رسول الله حب لله تعالى سرى إلى رسوله، وكذلك هو حب الجهاد في سبيله،
فالمحور هو حب الله تعالى.
وهو الذي يجب أن يكون أكثر من حبِّنا لهذه القائمة كلها.
وهكذا يتضح كم نظلم أنفسنا عندما نجد أننا نعتقد بالله سبحانه وتعالى ولا نشعر بحب
له يتناسب مع هذا الإعتقاد، تضطم عليه الحنايا والضلوع، ويعمر القلوب.
إننا بتعبير الإمام الخميني رضوان الله عليه،لا ننقل هذا الإعتقاد بالله تعالى من
العقل إلى القلب.
ويمكن أن يقال في بيان مراده: لاينافي ذلك أن يُنقل بعضه ويترك البعض الآخر لتكون
النتيجة عدم التناسب بين الإعتقاد وبين الحب.
وتلك هي النتيجة الغالبة في السائد فينا، ويكفي دليلاً عليه مدى الهوة الهائلة التي
تفصل بين العقيدة والسلوك.
* الرصيد كبير، فأين الرعاية
وفي جو ضيافة الرحمن يجدر بنا أن يكون في طليعة اهتمامنا تلمس القلب جيداً ثم البحث
في شغافه بتؤدة وأناة في باب حب الله تعالى.
وسنجد بالتأكيد بذرة حبه سبحانه أو غرستها، أو نجد شجرة الحب وهي مراتب ومستويات
ككل الأشجار.
ومما لابد من ملاحظته للوصول إلى إحدى هذه النتائج أن كل حب لرسول الله صلى الله
عليه وآله، ولأهل بيته عليهم السلام، مرتبط جذرياً بحب الله تعالى وكتابه العزيز
القرآن الكريم، فالمصطفى الحبيب رسوله سبحانه، ورسالته القرآن، وآله هم أهل بيت
الوحي.
بل إن كل حب لأي حكم من أحكام الله تعالى وشرعه وهداه، هو في الحقيقة فرع حب الله
تعالى.
وكذلك الأمر في كل حب في قلوبنا للإسلام وجميع شعائره بلا استثناء، فإن كل حب
للكعبة المقدسة، أو للبيت الحرام، أو المسجد الأقصى، والمسجد عموماً أوأداء الصلاة،
أوالأذان وسائر الشعائر، يرجع في حقيقته إلى حب الله تعالى.
إذا استعرض القلب رصيده من حب الله تعالى من خلال التأمل في المجالات المتقدمة:
الرسول وأهل بيته صلى الله عليه وآله، وأحكام الإسلام وشعائره، فسيكتشف أنه رصيد
كبير جداً، إلا أنه قد يكون مجرد بذرة حب لم تحظ بأي مستوى، أو الغرسة التي حظيت
ببعض التعاهد، كما قد يكون شجرة حب الله تعالى الباسقة التي تجسدها العقائد الحق،
والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة.
ولكل مستوى من هذا الرصيد الكبير مسؤلياته ولوازمه، ويجمع المستويات على
اختلافها:الرعاية المتناسبة مع حالة القلب في علاقة الحب بمن لاحبيب سواه على نحو
الأصالة والإستقلال، جل ثناؤه، وتقدست آلاؤه.
* أشدُّ حباً لله
قال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ
أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا
لِّلّه﴾
( البقرة 165)
ولو لم يكن إلا هذه الآية، لكفى بها دليلاً على عظمة الحب الذي يجب أن يعمر قلب
المؤمن لله تعالى.
والحق أن البحث عن آيات حب الله تعالى في القرآن الكريم يستدعي التنبه المنهجي إلى
أن كتاب الله تعالى هو كتاب الحب، وليس فيه إلا الحب!
وتفصيل ذلك موكول إلى محله، وقد سبقت الإشارة إلى خزين الحب في آيات العذاب الشديد.
وإليك بعض حديث الحب في الروايات.
1- قال الشهيد الثاني عليه الرحمة:
في أخبار داود عليه السلام يا داود عليه السلام: أبلغ أهل أرضي أني حبيب من أحبني،
وجليس من جالسني، ومؤنس لمن أنس بذكري، وصاحب لمن صاحبني، ومختار لمن اختارني،
ومطيعٌ لمن أطاعني، ماأحبني أحد أعلم ذلك يقيناً من قلبه إلا قبلته لنفسي، وأحببته
حباً لا يتقدمه أحد من خلقي، من طلبني بالحق وجدني ومن طلب غيري لم يجدني فارفضوا
يا أهل الأرض ما أنتم عليه من غرورها، وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي
ومؤانستي، وآنسوني أؤنسكم، وأسارع إلى محبتكم.
2- وقال أيضاً:
وأوحى الله إلى بعض الصديقين أن لي عباداً من عبيدي يحبوني وأحبهم
ويشتاقون إليَّ وأشتاق إليهم، ويذكروني وأذكرهم، فإن أخذتَ طريقهم أحببتك وإن عدلت
عنهم مقتُّك. قال: يا رب وما علامتهم؟ قال: يراعون الظِّلال بالنهار كما يراعي
الشفيق غنمه، ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها عند الغروب، فإذا
جنَّهم الليل، واختلط الظلام، وفرشت الفرش، ونصبت الأسرة، وخلا كل حبيب بحبيبه،
نصبوا إليّ أقدامهم، وافترشوا إلي وجوههم،وناجوني بكلامي وتملقوني بإنعامي، مابين
صارخ وباك، وبين متأوه وشاك، وبين قائم وقاعد وبين راكع وساجد، بعيني ما يتحملون من
أجلي، وبسمعي ما يشكون من حبي. أول ما أعطيهم ثلاثاً،الأول: أقذف من نوري في
قلوبهم، فيخبرون عني كما أخبر عنهم.والثاني: لو كانت السماوات والأرضون وما فيهما
من مواريثهم لاستقللتها لهم.والثالث: أُقبل بوجهي عليهم، أفترى من أقبلت عليه بوجهي
يعلم أحد ما أريد أن أعطيه؟
3- قال أمير المؤمنين عليه السلام: حب الله نار لا يمر على شئ إلا احترق ونور الله
لا يطلع على شئ إلا أضاء، وسحاب الله ما يظهر من تحته شئ إلا غطاه،وريح الله ما تهب
في شئ إلا حركته، وماء الله يحيي به كل شئ، وأرض الله ينبت منها كل شيء، فمن أحب
الله أعطاه كل شيء من المال والملك.
4- قال الصادق عليه السلام: حب الله إذا أضاء على سر عبد أخلاه عن كل شاغل. وكلُّ
ذكر سوى الله ظلمة والمحب أخلص الناس سر الله، وأصدقهم قولاً، وأوفاهم عهداً،
وأزكاهم عملاً، وأصفاهم ذكراً، وأعبدهم نفساً تتباهى الملائكة عند مناجاته وتفتخر
برؤيته، وبه يعمر الله تعالى بلاده، وبكرامته يكرم عباده، يعطيهم إذا سألوه بحقه،
ويدفع عنهم البلايا برحمته، فلو علم الخلق ما محله عند الله ومنزلته لديه ما
تقربواإلى الله إلا بتراب قدميه.
*القلب حرم الله
ولاينبغي أن يستقر القلب على الجمع بين الحبيب والأغيار، فبمقدار هذا الجمع يكون
نقص الحب عادة، أما في نوعٍ خاص من الحب هو بالخصوص حب الله تعالى فلا يعني وجود
الغير أو الأغيار نقصاً في الحب بل يعني عدم الحب مهما كان التظاهر به عريضاً، فحب
الله تعالى وحب غيره كالليل والتهار لايجتمعان.
ولايذهبن عليك الفرق بين السقف وبين التدرج إليه. ماتقدم هو السقف والقمة، ولاينافي
ذلك أن يكشف تحسس القلب عن عدم الوصول إليه. إن المطلوب أن يكون السير باتجاه هذا
الهدف، وعلى الحبيب تيسير الوصول وقصد السبيل.
ويشير إلى التدرج قول أمير المؤمنين عليه السلام:من أحب أن يعلم كيف منزلته عند
الله؟ فلينظر كيف منزلة الله عنده فإن كلَّ مَن خِيرَ له أمران: أمر الدنيا وأمر
الاخرة، فاختار أمر الآخرة على الدنيا، فذلك الذي يحب الله، ومن اختار أمر الدنيا
فذلك الذي لا منزلة لله عنده.
كما يشير إلى الهدف قول الإمام الصادق عليه السلام:ألقلب حّرَمُ الله فلا تسكن حرم
الله غير الله.
* نتائج حديث الحب
والنتائج التي يمكن استخلاصها من حديث الحب في النصوص،
ولعل ماتقدم أضاء عليها هي كالآتي:
1- أننا مدعوون إلى أن تكون علاقتنا بالله سبحانه وتعالى على قاعدة الحب.
2- ورغم أن طبيعتنا البشرية تحتم التدرج للوصول إلى أعلى مراتب حبنا له سبحانه، إلا
أن الهدف أن لانسكن في حرم الله غير الله.
3- كما أننا مدعوون إلى أن تكون علاقتنا برسول الله صلى الله عليه وآله علاقة حب
وكذلك بأهل البيت عليهم السلام، أماأن العلاقة برسول الله صلى الله عليه وآله يجب
أن تكون علاقة حب، فيكفي دليلاً عليهاالآية المتقدمة (آية 24 من سورة التوبة) فهي
واضحة الدلالة على وجوب حب رسول الله صلى الله عليه وآله.
وأما أهل البيت عليهم السلام فيكفي قول الله تعالى "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا
المودة في القربى".
4- مع فارق جوهري بين حبِّنا لله عز وجل وبين حبِّنا لرسول الله صلى الله عليه وآله
وأهل البيت عليهم السلام، وهو أن الحب الأساسي والأصلي هو حب الله عز وجل، ولا
محبوب على نحو الأصالة والإطلاق غيره سبحانه وتعالى، وكل من وما نحبه يجب أن يكون
حبه متفرّعاً على هذا الحب الأساس الذي هو حبّ الله تعالى، وفي الحقيقة ليس حب رسول
الله صلى الله عليه وآله وحب أهل البيت عليهم السلام إلا فرع ذلك الحب الأساس
والأصل أي أننا نحب المصطفى الحبيب لأنه رسول الله – كما تقدم - ونحب أهل البيت
عليهم السلام لأنهم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وأوصياء رسول الله، نحبهم
من أجل الله لأن الله تعالى أمرنا بحبهم.
* الحب أفضل من الخوف
ولا بد في هذا السياق من الوقوف عند الفرق بين أن نبني علاقتنا بالله عز وجل على
أساس الحب وبين أن نبنيها على أساس الخوف، وقد رد عن الإمام الصادق عليه السلام "الحب
أفضل من الخوف" ويبدو أن السبب في ذلك هو أن من يخاف من الله عز وجل ولا
يحبه فإن هذا الخوف يحمله على التملُّص قدر الإمكان من طاعة الله، وإذا لم يستطع أن
يتملَّص فإنه يؤدي ما أمر الله تعالى به بتثاقل، أوبكراهية شديدة، فيصلي وكأن صلاته
ولا أثقل، يصوم وكأن هذا الصوم أمر لا يطاق، لماذا؟.. لأنه إن لم يفعل ذلك فإنه
سيُعَذَّب، يخاف من الله تعالى، تماماً كالتلميذ الذي يخاف من أستاذه أو من سطوة
أبيه، ولا يدرس من أجل الدرس، فتكون فترة الدرس صعبة عليه وشاقة.
عندما تكون علاقتنا بالله عز وجل علاقة خوف فقط تصبح التكاليف الشرعية أثقالاً نشعر
وكأننا لا طاقة لنا بها على الإطلاق، أما عندما تكون علاقتنا بالله عز وجل قائمة
على أساس الحب، فإن حب الله تعالى يترجم إلى حبٍ لأوامره، بل أكثر من ذلك يُصبح
المستحب تلقائياً محبوباً عندنا، لأننا نصبح نحب كل ما يحبه الله تعالى فضلاً عما
يوجبه، ونجتنب المحرمات بحذر شديد، بل ونحتنب المكروهات أيضاً، والسبب واضح وهوأن
الحبيب تقدست أسماؤه يحب هذه المستحبات ويكره هذه المكروهات، فكيف مع العلم بأنه
يحب الأمر الفلاني إلى حد إيجابه علينا وإلزامنا به، ويكره العمل الفلاني إلى حد
إلإلزام بتركه، والنهي عنه؟
عندما تكون علاقتنا به عز وجل مبنيةً على أساس الحب يمكننا أن نفهم ما معنى أن رسول
الله صلى الله عليه وآله كان ينتظر وقت الصلاة بفارغ الصبر ويقول "أرحنا يا بلال"،
متى يحلُّ وقت الآذان لتؤذِّن ونصلي فنقف بين يدي ربنا عز وجل. ذلك لأن المصطفى
يعلم أن الله عز وجل يحب الصلاة فهو يحبهاإلى حد أنها قرّة عينه.
من هنا كان الحب أفضل من الخوف، وشتّان بين عبادات الخائف المرعوب الذي ينتظر
الفرصة ليلفَّ ويدور ويتملّص، وبين المحبّ الذي ينتظر لحظة من الفرصة ليعبّر عن
طاعته وأدبه.
* الحب لايلغي الخوف
وطبيعي أن أوضح في هذا السياق أيضاً أن بناء العلاقة بالله عز وجل على أساس الحب لا
يلغي الخوف من الله تعالى، فعندما نقول أن علاقتنا بالله سبحانه وتعالى ينبغي أن
تكون علاقة حب، فليس معنى هذا أن لا نخاف منه، فالخوف من الله تعالى لا بد منه، إلا
أن هناك فرقاً بين خوف المحبّ وخوف المرعوب الذي يريد أن يتخلص من طلبات هذا الطالب
وأوامر هذا الآمر.
نعم، الحب لا يلغي هذا الخوف.
لنتأمل في ما يمكن تقديره من حالات سلمان الفارسي، أو المقداد أو أبي ذر أو عمار بن
ياسر رضوان الله عليهم، مع رسول الله صلى الله عليه وآله، ألم يكن كل منهم يخاف من
مخالفة رسول الله وإغضابه صلى الله عليه وآله، إلا أن ذلك كان عبارة عن الخوف من
المحبوب، وهو الخوف المربّي الذي يحمل صاحبه على الدقة والحذر مالم يقع في الخطأ
حتى لايقع، ويحمله على التغيير بشوق بعد الوقوع فيه.
أما الخوف الذي لا يستند إلى الحب بل يستند إما إلى الكراهية أو إلى الشعور بثقل
الطلبات ويجمعهما أنه يستند إلى عدم الشعور بالحب- حتى إذا كان يستند بالتحليل إلى
الإعتقاد- فليس خوفاًمربّياً وإنما هو سوط يجلد، ومن ينهال عليه هذا السوط يتمنىأن
يتخلص منه.
* وهل الدين إلا الحب؟
هكذا ندرك إجمالاً ما معنى أن الدين هو الحب كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام
"وهل الدين إلا الحب"وبديهي أن من عَمَرَ قلبه هذا المخزون الهائل من حب الله تعالى
وحب المصطفى الحبيب وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم فإنه لن يتعامل مع الناس
على أساس البغضاء والحقد والضغينة.
مطلوب منا أن نحب الناس، وهذه جميع الأحكام الشرعية تدعونا إلى حبهم، لا تغتب، لا
تؤذِ، لا تظلم، لا تسئ الظن، أكرم، حسّن خلقك، أحسن إلى من أساء إليك،الخ ومن يلتزم
بهذه الأحكام الشرعية يصبح تلقائياً محباً للناس.
أيها العزيز، إن المسلم كتلة حب، فيض حنان، يحب الخير حتى للكافرين، بل ويدعو لهم
بالهداية، وقد ذكرالسيد ابن طاوس عليه الرحمة في أعمال ليلة القدرأنه كان يدعو
للمؤمنين فتذكر أن الكافرين أحق بالدعاء فبدأ يدعو لهم، أللهم اهدِههم، أللهم
أنقذهم من ضلالهم.
و عندما يحمل المسلم السلاح في مقابل الكفر وأعوانه فلأنه يريد أن يدافع عن الحق
وعن عباد الله عز وجل، ولأن النصح لم ينفع، والدعوة إلى الله عز وجل لم تؤثر.
والسؤال المركزي في ضوء ماتقدم: بما أننا مأمورون بحب الله عز وجل وحب المصطفى وحب
أهل البيت وحب الناس جميعاً، وبما أن الأحكام الشرعية تدعونا إلى الحب، فلماذا لا
نعيش الحب في بيوتنا؟
ترى، هل يغمر بيتي وبينك فيض الحنان، والرأفة والرحمة والمودة؟
هل تشعر الزوجة بكرامتها؟ وهل يشعر الأولاد بحريتهم ضمن الضوابط؟
وأصلاً: هل يشعر الزوج بكرامته وأبوته؟
هل نحن من أنصار القمع والبطش والتنكيل والديكتاتورية والتجبُّر لتكون بيوتنا كذلك؟
أم أننا من أنصار الحرية والحنان وحق الإنسان في العيش الكريم؟
ولامجال لبناء بيوت محمدية تتحلى بمكارم الأخلاق، مادام الزوج متجبراً لايخاف الله
تعالى ولا يستحضره عند كل سماح ومنع، سادراً في غي سلع الجاهلية البغيضة، ومادامت
الزوجة لاتفقه أن الزوج هو المدير، وتظل سادرة في غي السلع الثقافية المستوردة حول
حقوق المرأة وحريتها المزعومة.
إن شهر رمضان أيها الأعزاء مناسبة للوقفة مع الذات في هذا المجال،ومحاسبة أنفسنا.
هل تعمر بيوتنا أجواء الحنان، أم عواصف الضغينة والرعب؟
إن الفرق كبير جداً بين جوَّيْن، جوٍّ زاخر بالحنان، بالعاطفة الصادقة، بالنبل،
بالسموّ، و جو ملوّث موبوء، مشحون بالكراهية والحقد.
و نحن في شهر الله تعالى أمام دعوة للحنان، أن نتحنّن على الأيتام، ونوقر الكبار،
ونرحم الصغار، ونخفف عما ملكت اليمين، وأن نحسن خُلقنا، وهذه كلها مفردات تجمعها
الرحمة،وهي حقيقة التدين، التي يلتقي بها المخلوق مع خط الرحمة التي بدأت مسيرة
الدين على وجه الأرض من أجل تحقيق السير فيه، فيلتقي المخلوق الرحيم مع مولاه.
تلتقي رحمة المؤمن مع اسم الله الرحمن الرحيم.
إن مهمة الدين صياغة القلب الذي يخفق بالحنان، فهو وحده قلبٌ قريب من الرحمن،
وبمقدار الرحمة فيه يكون القرب من الله عز وجل.
فهل نقرر في شهر الله تعالى أن نحب بعضنا، أن نرحم، أن نفيض الحنان على من حولنا، و
نرمي بالكراهية وسوء الخُلق والبغضاء من بيوتنا وعلاقاتنا بعيداً. أللهم وفّقنا
لذلك.
* دعاء اليوم السابع
أللهم أعنّي فيه على صيامه وقيامه وجنّبني فيه من هفواته وآثامه وارزقني فيه ذكرك
بدوامه بتوفيقك يا هادي المضلّين.
يلاحظ أن الروايات تحدثنا عن شخصية مستقلة لشهر رمضان المبارك ولكن يفهم من بعضها -
كما في خطبة المصطفى صلى الله عليه وآله - التأكيد على شخصية مستقلة لكل يوم من
أيام شهر رمضان وكل ليلة من ليالي شهر رمضان بل وكل ساعة من ساعات شهر رمضان.
وأدعية أيام شهر رمضان المبارك تؤكد لنا على الشخصية المستقلة لكل يوم من أيام هذا
الشهر الكريم، ومن هنا نجد التركيز في دعاء كل يوم على خصوصيات تُطلب من الله عز
وجل فيه.
و في دعاء يومنا هذا نجد أننا مأمورون بالطلب من الله تعالى أولاً أن يعيننا على
صيامه وقيامه وهذا أمر ينبغي أن يستمر طلبه من الله تعالى طيلة الشهر كما أمرنا
المصطفى صلى الله عليه وآله أن نطلبه من الله تعالى قبل حلول الشهر.
والأمر الثاني الذي ورد التأكيد عليه في هذا الدعاء أن يجنّبنا الله تعالى الهفوات
والآثام في هذا اليوم.
والأمر الثالث أن يمُنَّ علينا عز وجل بدوام الذكر، على قاعدة "خير الأعمال
أدْوَمها وإن قلّ".
إن ذكر الله تعالى مهم إلا أن الأهم هو دوام هذا الذكر، فيبقى الإنسان متذكراً ربه
باستمرار.
والأمر الرابع التأكيد على غرار الأدعية المتقدمة أن ذلك لا يكون إلا بتوفيق الله
عز وجل " بتوفيقك يا هادي المضلّين " وكأن هذه العبارة الأخيرة تريد أن تقول أن من
وصل في الضلال إلى غايته فأصبح مُضِلاًّ فإن الله عز وجل أيضاً يهديه، وهي بمعنى:
إلهي سواء كنت ضالاً فقط أو مضِلاً فأنت الآخذ بيدي فأنت أرحم الراحمين.
* صلاة الليلة الثامنة
1- صلاة عشرين ركعة من الألف ركعة التي هي الأرجح عند الفقهاء بين روايات نوافل هذا
الشهر الكريم، كل ركعنين بتسليمة، ثمان منها بين المغرب والعشاء، والباقي بعد
العشاء، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة والتوحيد مرة أو ثلاثاً أو خمساً، أو سبعاً، أو
عشراً.
2- عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ومن صلى الليلة الثامنة من شهر رمضان ركعتين
يقرأ في كل ركعة الحمد مرة و قل هو الله أحد عشر مرات وسبَّح ألف تسبيحة، فتحت له
أبواب الجنان الثمانية يدخل من أيها شاء.
3- قال الكفعمي: ويستحب أن يصلي في كل ليلة من شهر رمضان ركعتين بالحمدمرة،
والتوحيد ثلاثا، فإذا سلَّم قال: سبحان من هو حفيظ لايغفل، سبحان من هو رحيم لايعجل،
سبحان من هو قائم لايسهو، سبحان من هو دائم لايلهو. ثم يقول التسبيحات الأربع
سبعاً، ثم يقول: سبحانك سبحانك ياعظيم. إغفر لي الذنب العظيم. ثم تصلي على النبي
عشراً. من صلاها غفر الله له سبعين ألف ذنب..
أسأل الله عز وجل أن يتقبل أعمالنا جميعاً بالنبي المصطفى وآله، صلوات الله تعالى
عليهم أجمعين.
والحمد لله رب العالمين 1.
1-مناهل الرجاء /
الشيخ حسين كوراني.
|