دعاء اليوم الخامس "اللهم اجعلني فيه من المستغفرين, واجعلني فيه من عبادك الصالحين القانتين, واجعلني فيه من أوليائك المقربين برأفتك يا أرحم الراحمين". إنّ الوصول إلى درجة القرب الإلهيّ، يبتدئ بالاستغفار من كلّ ذنب، ليصل إلى التحلّي بصفات الأولياء المقرّبين مروراً بعباده الصالحين، وهذا ما تعرّض له هذا الدعاء. 1- الاستغفار يكتفي الكثير من الناس متى ما اتجه نحو ربّه وتذكّر ما اقترفته يداه من ذنوب وآثام بكلمة الاستغفار، فيستغفر الله ويعتبر أنّ ذلك قد طوى - وإلى حدّ ما - ما ارتكبه من ذنب. ولكن ليست هذه هي حقيقة الاستغفار، بل الاستغفار الحقيقي هو الذي يقترن فيه قول الإنسان هذا بالعمل، ويشرح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حقيقة الاستغفار وقد سأله كميل بن زياد: "فما حدّ الاستغفار؟ فقال: يا بن زياد: التوبة، قلت: بس؟. قال: لا، قلت: فكيف؟ قال: إنّ العبد إذا أصاب ذنباً يقول: أستغفر الله بالتحريك، قلت: وما التحريك؟ قال: الشفتان واللسان، يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة، قلت: وما الحقيقة؟ قال: تصديق في القلب، وإضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه. قال كميل: فإذا فعل ذلك فإنّه من المستغفرين؟ قال: لا . . . لأنّك لم تبلغ إلى الأصل بعد. قال كميل: فأصل الاستغفار ما هو؟ قال: الرجوع إلى التوبة من الذنب الذي استغفرت منه، وهي أوّل درجة العابدين"1. إنّ الاستغفار كما ينفع الإنسان المذنب للتخلّص من عذاب يوم القيامة، فإنّه يجعله في أمان من العذاب الإلهي في هذه الدنيا، فإنّ الله لا يهمل الإنسان المذنب في هذه الدنيا، وإن أمهله، فقد ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أنزل الله عليَّ أمانين لأمّتي": ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾2 فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة"3. كما إنّ عليك أيّها الخطّاء أن تبادر من فورك إلى الاستغفار، ولا تؤجّل ذلك، لعلّ تلك السيئة لا تكتب في صحيفة أعمالك. ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "من عمل سيئة أُجِّل فيها سبع ساعات من النهار، فإن قال: أستغفر الله الذي لا إله إلّا هو الحيّ القيوم ثلاث مرّات لم تكتب عليه"4. 2- مقام القانتين إنّ من الصفات التي عدّها الله عزَّ وجلَّ للمؤمنين هي القنوت، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾5. كما أنّ من ألقاب نبيّ الله إبراهيم عليه السلام لقب خليل الله، وقد وصف الله إبراهيم عليه السلام بصفة القنوت قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لله حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾6. ولكن ما هو القنوت، ليس المراد ما نأتي به في الصلاة والذي هو من مستحبّاتها، بل ذكر المفسّرون أنّ المراد من القنوت هو لزوم الطاعة مع الخضوع7. فهي الطاعة التي تنبع من الإيمان والاعتقاد الصحيح. إنّ القنوت لله هو أن تكون في كلّ فعل تقوم به خاضعاً لإرادة الله، لأمره ولنهيه، ولا شكّ في أنّ المعصية التي تقع فيها ليست من القنوت لله، بل هي خروج عن الطاعة والخضوع. 3- الأولياء المقربون ليس الناس على درجةٍ واحدةٍ في قربهم من الله عزَّ وجلَّ، ومن الدرجات العليا التي قد يصل إليها بعض الناس من غير الأنبياء والأئمّة أيضاً هي درجة ((الأولياء))، فمن هم الأولياء؟ يحدثنا القرآن الكريم عن أهمّ باب لمعرفة هؤلاء الأولياء وهو كونهم ممّن جمع عنصرين في شخصيته هما: الإيمان والتقوى، إذ يقول: ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾8. ويصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله: "إنَّ أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكراً، ونظروا فكان نظرهم عبرة، ونطقوا فكان نطقهم حكمة"9. إنّ الإنسان العادي لا يطمع في أن يكون نبيّاً أو أن يكون إماماً، وذلك لأنّ مقام النبوّة والإمامة محصور بأشخاص بعينهم، ولكن مقام الولاية مفتوح لكلّ مؤمن يسعى للوصول إليه، بل إنّ أبواب الوصول إلى مقام أولياء الله تزداد في زماننا هذا أي زمان غيبة الإمام الحجّة| فقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "يا أبا بصير! طوبى لشيعةِ قائمنا المنتظرينَ لظهوره في غيبته، والمطيعينَ له في ظهوره، أولئك أولياءُ اللهِ الذين لا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون"10. وعليك أيّها الإنسان أن تحذر, فإنّ مقام ولاية الله ليس منصباً دنيويّاً، فلن تجده عند أصحاب المناصب والأموال، بل لعلّك تنظر إلى أحد من الناس نظرة استقلال لشأنه، فيكون ولياً من أولياء الله، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى . . . أخفى وليّه في عباده، فلا تستصغرنَّ عبداً من عبيد الله، فربما يكون وليّه وأنت لاتعلم"11. 1- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 16 ص 78. 2- الأنفال:33. 3- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 ص 2275. 4- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 16 ص 64. 5- آل عمران:17. 6- النحل:120. 7- تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 17 ص 243. 8- يونس:62-63. 9- الكافي - الشيخ الكليني - ج2 ص237. 10- بحار الأنوار - العلّامة المجلسي - ج 52 ص 150. 11- الخصال - الشيخ الصدوق - ص 209. |