دعاء اليوم الرابع
"اللهم قوني فيه على إقامة أمرك, وأذقني فيه حلاوة ذكرك, واحفظني فيه بحفظك وسترك, يا أبصر الناظرين".
للعبادة درجات، كلّما ارتقى الإنسان درجةً من العبادة سعى لينالَ درجةً أرقى منها، وهذا ما يحدّثنا عنه هذا الدعاء في عناوين ثلاث: إقامة أمر الله، حلاوة ذكر الله، أداء شكر الله.
1- إقامة أمر الله إنّ من أعظم المخاطر التي يقع فيها الإنسان أن يطيع الله في شيءٍ من الواجبات والتكاليف، ولكنّه يعصيه في واجباتٍ وتكاليف أخرى، فتراه يلتزم بالصوم في شهر رمضان، ولكنّه لا يرتدع في شهر رمضان عن النظر إلى ما حرّم الله، أو عن أذيّة والديه أو أرحامه، أو عن ممارسة الأذى بحقّ من يعيش معه من أهله وزوجه وعياله، أو يعيش بقربه من جيرانه.
إنّ إقامة أمر الله تكون بالطاعة المطلقة لله، فإقامة الصيام، هي بالوصول إلى الصوم الحقيقيّ والشامل، حيث يصوم الإنسان فتصوم جوارحه كلّها عن معصية الله.
فهل يمكن لك أيّها الإنسان أن تتقرّب من جبار السموات والأرض، وأن تطيعه فيما تحبّ، وتعصيه فيما لا تحبّ, لقد ورد في وصيّة لقمان الحكيم لولده: "يا بنيّ خفِ الله خوفاً لو أتيت القيامة ببرّ الثقلين خفت أن يعذّبك، وارجُ الله رجاءً لو وافيت القيامة بإثمِ الثقلين رجوتَ أن يغفرَ لك. فقال له ابنه: يا أبتِ كيف أطيق هذا، وإنّما لي قلبٌ واحدٌ؟ فقال له لقمان: يا بنيّ لو استخرج قلب المؤمن فشقّ لوجد فيه نورين: نورٌ للخوف ونورٌ للرجاء، لو وُزِنا لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرّة، فمن يؤمن بالله يصدّق ما قال الله، ومن يصدّق ما قال الله يفعل ما أمر الله، ومن لم يفعل ما أمر الله لم يصدّق ما قال الله، فإنّ هذه الأخلاق تشهد بعضها لبعض"1.
وقد ورد في الروايات وصف الأئمّة عليهم السلام بأنّهم المقيمون لأمر الله، وذلك لأنّ بهم تتحقّق طاعة الله المطلقة والتامّة، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "نحنُ تراجمةُ أمرِ الله، نحن قومٌ معصومون"2.
2- حلاوة ذكر الله إذا تعلّق قلب هذا الإنسان بشيءٍ، فأحبّه أحبّ ذكره، وكان لذِكرِه على لسانه، أو خطوره في قلبه حلاوةٌ لا توصف، يهدأ لهذا الذِكرِ، ويشرق له وجهه، وتنفرج به أساريره، وهكذا حال المؤمن عند ذِكرِ الله، لأنّ قوام الإيمان هو حبّ الله عزَّ وجلَّ، وحبّ أولياء الله، فالذي يصل إلى درجة حبّ الله، يأنس بذِكرِ الله، ويعيش حلاوة ذِكرِ الله، وكلّما ازداد الإنسان إيماناً بالله وحبّاً له، ازداد حبّاً لذِكرِه سبحانه، وفي الرواية عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "ذِكرُ الله مسرّة كلّ متّقٍ ولذّةُ كلّ موقِن"3.
وتحدّثنا الرواية عن خواصّ الله عزَّ وجلَّ بأنّهم الذين يكثرون من ذِكرِ الله، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وقد سئل: أحبّ أن أكون أخصّ الناس إلى الله تعالى؟: "أكثر ذِكرَ الله تكن أخصّ العباد إلى الله تعالى"4.
إنّ الإكثار من ذِكرِ الله لا يتحقّق بالكثرة العددّية، بل بكمال الانقطاع إلى الله عزَّ وجلَّ كما ورد في المناجاة الشعبانية: "إلهي هب لي كمالَ الانقطاع إليك".
ومن أهمّ الثمار المترتّبة على المواظبة على ذكر الله، الالتزام بالطاعة والاجتناب عن المعصية، ففي روايةٍ عن أمير المؤمنين "من عمّر قلبَه بدوام الذِكرِ حَسُنت أفعاله في السرّ والجهر"5.
والإنسان إنّما يقدم على معصية الله متى مات قلبه وأصبح مظلماً أسود، وجلاء هذه الظلمة إنّما تكون بذِكرِ الله والمداومة على ذلك، فعن الإمام عليّ عليه السلام "إنّ الله سبحانه جعل الذِكرَ جلاء للقلوب، تسمعُ به بعد الوقرة، وتبصرُ به بعد العشوة، وتنقادُ به بعد المعاندة"6.
3- أداء شكر الله إنّ أقلّ ما يمكن للإنسان الذي يرى نعم الله عليه - وأصل وجود هذا الإنسان هو نعمة من الله - أن يشكر الله عزَّ وجلَّ على هذه النعم.
إنّ وجوب طاعة الله عزَّ وجلَّ لمن فكّر حقيقة في نعم الله لا تنطلق من الخوف من العقاب، بل لأنّه مستحقّ للشكر، وشكر الله في طاعته، وهذا ما حدّثنا عنه أمير المؤمنين كما في الرواية: "لو لم يتوعّد الله على معصيته، لكان يجب ألا يعصى شكراً لنعمه"7.
على المؤمن المطيع لله أن يسعى ليجعل طاعته هذه وعبادته لله، عبادة الأحرار، وهي أعلى درجات العبادة، وقوام هذه العبادة أن يعبد الإنسان الله عزَّ وجلَّ على أساس شكره ففي الرواية عن أمير المؤمنين: "إنّ قوماً عبدوه - أي الله - شكراً، فتلك عبادة الأحرار"8.
1- تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج 2 ص 165. 2- الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 ص 270. 3- عيون الحكم والمواعظ - علي بن محمد الليثي الواسطي - ص 256. 4- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 ص 965. 5- عيون الحكم والمواعظ - علي بن محمد الليثي الواسطي - ص 458. 6- نهج البلاغة، الخطبة، 222. 7- م.ن الحكمة 290. 8- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص 84. |