دعاء اليوم السابع والعشرين "اللّهمَّ ارزقني فيه فضل ليلة القدر، وصيّر أموري فيه من العسر إلى اليسر، واقبل معاذيري وحطّ عنّي الذنب والوزر، يا رؤوفاً بعباده الصالحين". 1- ليلة القدر لنتأمّل قليلاً في معنى ليلة القدر، إنّها الليلة التي يقدّر فيها للإنسان كلّ ما يصيبه من خيرٍ أو شرٍّ، بل كلُّ ما يقوم به خلاله عامه من طاعةٍ أو معصية، قال تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾1. وقد ورد عن الإمام الباقرعليه السلام في تفسير هذه الآية: "يقدّر في ليلة القدر كلَّ شيء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابلٍ من خيرٍ أو شرٍّ أو طاعةٍ أو معصيةٍ أو مولودٍ أو أجلٍ أو رزقٍ، فما قُدّر في تلك الليلة وقضي فهو من المحتوم ولله فيه المشيئة"2. إنّ ما دعوت به أيَّها الصائم في ليلة القدر، لا بدّ وأن يكون الأساس فيه طلب الخير، ولكن أيّ خيرٍ ترجوه؟ هل هو خير الدنيا فقط أو خير الدنيا والآخرة؟ لا شكَّ في أنَّ على الإنسان أن يكون لخير الآخرة أرجى، وذلك لأنّ خير الآخرة هو الخير الذي لا يَفنى، وذلك خلافاً لفضل الدنيا الذي مهما عظم فإنّ مصيره الفناء لا البقاء. بل وأعظم من ذلك أن يصل الإنسان إلى مقام التسليم لله عزَّ وجلَّ فيسأله أن يُعطيه الفضل من عنده، والفضل هو زيادة الخير، فالإنسان لا يعلم ما هو الخير له وفيما يكون فيه الخير، فيوكِل ذلك إلى الله عزَّ وجلَّ، فإنّ ذلك سيصل إلى طمأنينة النفس التي هي أساس السعادة في هذه الدنيا وفي الرواية عن الإمام الحسن عليه السلام: "من اتَّكل على حسن الاختيار من الله له، لم يتمنّ أنَّه في غير الحال التي اختارها الله له"3. 2- العسر واليسر من الحِكَم الإلهيّة التي قدّرها الله لعباده أن يعيش الإنسان في بعض مراحل حياته حالات من العسر، أي الشدّة والضيق في أيّ أمرٍ من الأمور، ليكون ذلك اختباراً له لمعرفة مدى ثباته على الحقّ، وعدم خروجه من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة المعصية. وللعسر مواطن عديدة، فمن العسر ما يواجهه الإنسان في الحياة الدنيويّة المتمثّلة بالمصاعب التي قد يواجهها الإنسان، ومن العسر أيضاً التكاليف الإلهيّة المُلقاة على عاتق هذا الإنسان، وقد وعدَ الله عزَّ وجلَّ عباده إذا تحلّوا بالصبر بأن يُبدِلَ عسرهم يسراً، فنقرأ في الآية الكريمة: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾4. فإنَّ من المواطن التي يكون فيها العسر هي المواطن التي يكون الإنسان فيها في حالة مواجهة من العدو، واليسر الإلهيّ يأتيه ولكن متى تحلّى بالتقوى والصبر. وهكذا حال المؤمن في جهاده الأكبر، وفي المعركة التي يخوضها مع النفس الأمّارة بالسوء، فإنَّه يعيش حالة العسر التي يطلب فيها من الله عزَّ وجلَّ النُصرة، فيأتيه النصر بغلبة النفس المطمئنة، ولكن متى تحلّى بسلاحي الصبر والتقوى. 3- قبول العذر الاعتذار هو الاعتراف بالذنب والخطأ، وهو أوّل درجةٍ من درجات التوبة، فالذي يعتذر إلى الله عزَّ وجلَّ، يُقرّ بما ارتكبه من الذنب وفي دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام: "إلهي إن كان قد دنا أجلي ولم يقرّبني منك عملي، فقد جعلت الاعتراف بالذنب إليك وسائل عِلَلي"5. نعم، هذا الاعتذار لا ينفع إذا جاء متأخّراً، فإن لكلّ شيءٍ وقته، فإذا انقضى لا تنفع المعذرة، وباب الاعتذار إلى الله عزَّ وجلَّ مفتوح أمام هذا الإنسان إلى أن تحين منه لحظة الموت، فلا تنفعه بعد ذلك معذرة، وقد ورد في الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّما هلك من كان قبلكم بطول آمالهم وتغيب آجالهم، حتى نزل بهم الموعود الذي ترد عنه المعذرة، وترفع عنه التوبة، وتحلّ معه القارعة والنقمة"6. 1- الدخان:4. 2-الكافي - الشيخ الكليني - ج 4 ص 158. 3- بحار الأنوار - العلّامة المجلسي - ج 75 ص 106. 4- آل عمران:125. 5- الصحيفة السجّاديّة - ص228. 6- الكافي - الشيخ الكليني - ج 8 ص 390. |