دعاء اليوم السادس والعشرين "اللّهمَّ اجعل سعيي فيه مشكوراً، وذنبي فيه مغفوراً، وعملي فيه مقبولاً، وعيبي فيه مستوراً، يا أسمع السامعين". تتحدَّث فقرات هذا الدعاء عن الآمال التي يرجوها الصائم، العامل بأمرِ الله، والمتلزم جانب الطاعة له، من مغفرة الذنوب، وقبول العمل، وستر العيب. 1- المغفرة إنَّ من الصفات الإلهية التي تكرّر ذكرها في القرآن الكريم هي صفة "الغفور الرحيم"، فالله عزَّ وجلَّ يغفر لعباده لا لحاجةٍ منه إليهم بل لأنَّ رحمته وسعت كلَّ شيء وكما أنَّ لكلّ شيءٍ أسبابه التي لا بدَّ من سلوكها والاعتماد عليها في سبيل الوصول إليه، فكذلك مغفرة الذنوب فإنّ لها أسبابها الخاصّة التي تعرّضت لها الآيات والروايات: أ- اجتناب الكبائر: إنَّ من تزلّ قدمه في الذنوب الصغيرة وقد اجتنب كبائر الذنوب فإنَّ له باباً من أبواب المغفرة، قال تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً﴾1. ب- الاستغفار: وهو باب فتحه الله عزَّ وجلَّ لعباده، شرط التزام العمل بأسبابه وقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "من أُعطي التوبة لم يحرم القبول، ومن أُعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة"2. ج- الأوقات الشريفة: إنّ لطلب مغفرة الذنوب، والتوسّل إلى الله عزَّ وجلَّ بذلك أوقاتاً محدّدة، تكون أسرع في الإجابة، منها شهر رمضان، بل هو أوسع أبواب الوصول إلى مغفرة الله، ونحن نقرأ في خطبة الرسول صلى الله عليه وآله في استقبال شهر رمضان: "إن الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم". د- التوبة: وهي ركنٌ من أركان المغفرة، وأوسع بابٍ من أبوابها، وقد ورد في الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "التوبة تطهّر القلوب وتغسل الذنوب"3. 2- قبول العمل لا بدّ لك أيّها المؤمن العامل بأوامر الله عزَّ وجلَّ والمجتنب لنواهيه، أن تعلم بأنّ الإجزاء شيء والقَبولَ شيء آخر. فالإجزاء هو أن يسقط التكليف عن ذمّتك، فلا يحاسبك الله عزَّ وجلَّ على تركه، كمن يصلّي صلاته المستجمعة لكافّة الشروط الظاهريّة التي ذكرها الفقهاء. ولكن القبول هو أن يرتفع العمل إلى الله عزَّ وجلَّ فيكون موجباً لرضاه ولنيل آثار هذا الرضا من المغفرة والمكانة عند الله. إنَّ أعظم الشروط المعتَبرة لكون العمل مقبولاً وطبقاً لما ورد في الكثير من الروايات هو الإخلاص، أي بأن يأتي الإنسان بالعمل خالصاً لوجه الله عزَّ وجلَّ، لا يُشرك فيه أحداً، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا عملت عملاً فاعمل لله خالصاً، لأنّه لا يُقبل من عباده الأعمال إلّا ما كان خالصاً"4. بل إنّ الأساس في العمل يرتبط بهذه الصفة وليس بالأفعال، أي لا ينظر الله عزَّ وجلَّ إلى مقدار الصلاة والصوم والعبادة بقدر ما ينظر إلى النيّة والقلب بما كان متعلِّقاً عند الإتيان بهذه الأعمال، وقد ورد في الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "ليست الصلاة قيامك وقعودك، إنَّما الصلاة إخلاصك، وأن تريد بها الله وحده"5. مضافاً إلى شرط آخر وردت الآيات والروايات به ألا وهو التقوى، أي حالة الخوف والخشية من الله عند الإقدام على أيّ عمل، فالشخص الذي يُقبل على الصلاة، وقد آذى غيره أو ظلمه حقّه، أو الذي يصوم، فإذا صام كان على كلّ من يحيط به أن يعيش الأذى ويتحمّل غضبه وإهانته، فلن يكون عمله مقبولاً، وفي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "كونوا بقبول العمل أشدّ اهتماماً منكم بالعمل، فإنّه لن يقلّ عمل مع التقوى، وكيف يقلّ عمل تُقبِّل"6 3- ستر العيوب إنّ العقوبة الإلهيّة على الذنب لا تنحصر بالنار، بل إنّ من أعظم العقوبات هو الفضيحة التي تلحق بهذا الإنسان على رؤوس الأشهاد، فتشهد الناس على كلِّ مرتكب ذنبٍ ما كان يقوم به في هذه الدنيا، وقد ورد في دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام: "إلهي قد سترت عليَّ ذنوباً في الدنيا وأنا أحوج إلى سترها عليّ منك في الأخرى. إلهي قد أحسنت إليّ إذ لم تظهرها لأحدٍ من عبادك الصالحين، فلا تفضحني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد"7. إنَّ من الأسباب التي تؤدِّي إلى أن يستر الله على الإنسان في يوم القيامة، أن يستر الإنسان على أخيه المؤمن ذنبه، إنَّها من أعظم العادات السيئة التي يُبتلى بها مجتمعنا أنّ لسانه لا يُطيعه في عدم إشاعة عيبٍ وجده في مؤمنٍ آخر، وقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله: "من علم من أخيه سيّئة فسترها، ستر الله عليه يوم القيامة"8. 1- النساء:31. 2- نهج البلاغة، باب الحكم، الحكمة، 135. 3- جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 14 ص 328. 4- بحار الأنوار - العلّامة المجلسي - ج 74 ص 103. 5- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 ص 757. 6- م.ن، ج 4 ص 3631. 7- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس - ج3 ص297. 8- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 ص 2207. |