دعاء اليوم التاسع "اللّهمَّ اجعلْ لي فيه نصيباً من رحمتك الواسعة، واهدني فيه لبراهينك السّاطعة، وخذ بناصيتي إلى مرضاتك الجامعة، بمحبّتك يا أملَ المشتاقين". تتحدَّث مفردات هذا الدعاء عن عنصرين مهمَّين هما: الرحمة الإلهيّة، والهداية مصداق من مصاديقها، وعن مقام الرضا الإلهيّ. 1- سعة الرحمة الإلهية لا شكّ في أنّ الأسماء والصفات الإلهيّة لا تُقاس بمقاييس بشريَّة، وأنّ الإنسان يُخطئ متى اعتمد على المقاييس البشريّة في فهمه وإدراكه للصفات الإلهيّة، بل الفهم الصحيح هو الذي يستحضر دائماً قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾1. ولكنَّ معرفة سعة الرحمة الإلهيّة ممكن من خلال الرجوع إلى آيات كتاب الله وكلمات الأئمّة الهداة، قال تعالى: ﴿قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾2. وتحدِّثنا الرواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام عن سعة هذه الرحمة لمَّا قيل له إنّ الحسن البصري قال: ليس العجب ممَّن هلك كيف هلك وإنّما العجب ممّن نجى كيف نجى! فقالعليه السلام: "ليس العجب ممّن نجى كيف نجى، وإنّما العجب ممَّن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله؟!"3. وأمَّا مظاهر الرحمة الإلهيَّة فهي لا تعدّ ولا تُحصى، كما أنّ النعم الإلهيّة لا تعدّ ولا تُحصى، ولكنّ الإنسان لا ينظر إلّا إلى مظاهر الرحمة الإلهيّة المادّية والتي تتعلّق بالمال والولد والرزق، ويغفل أنّ رحمة الله أوسع من ذلك، ومن أهمِّ مظاهر الرحمة الإلهيَّة على الصائم القائم المؤمن هي أن وفَّقه الله عزَّ وجلَّ لأن يهتدي بهدي الله، وأن تُشرق البراهين الإلهيّة في قلبه فتسلك به طريق الهدى، وتبتعد به عن طريق الضلال والعمى. يحدّثنا القرآن الكريم عن قومٍ في عصر النبي صلى الله عليه وآله كانوا يمنّون على النبيّ بإسلامهم، فيرون أنَّ الفضل في دخولهم الإسلام يعود لأنفسهم، فلهم أن يفتخروا بذلك على الله وعلى رسوله، وتجد في كل عصر وزمان جماعة من هؤلاء، فمن الناس من يدخل إلى الدِّين ويتقرّب من المؤمنين ويتفضّل بذلك عليهم وكأنّه ذو منّة عليهم، وهذا ما يستنكره القرآن على هؤلاء، فيؤكِّد على أنَّ الهداية هي نعمة ومنّة من الله، قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلْ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾4. إذا الهداية نعمةٌ من الله، ولذا كانت هذه الهداية تستوجب الشكر كأيّ نعمةٍ من النعم الإلهيَّة، فيا أيّها الصائم الموفَّق لصيام هذا الشهر عليك أن تؤدّي حقّ الله في هذا الشهر لتشكره على نعمة التوفيق للهداية ولتُصبح من عداد الصائمين. 2- مقام الرضا إذا كنت تريد أن تتقرّب إلى أحدٍ من الناس فإنَّ ما يهمّك لكي تنال درجة القرب عنده هو أن تصلَ إلى مقام الرضا، فإذا رضيّ عنك قرَّبك وأدناك، فيا أيّها السالك إلى الله، والساعي لمقام القرب منه تعالى، والمتقرّب إليه تعالى بأنواع العبادات والطاعات، عليك أن تضَع أمامك هدفاً هو الوصول إلى مقام الرضا، فإنّه المؤهِّلُ لك لمقام القرب الإلهيّ. وتنصُّ الآيات الكريمة على أنَّ الوصول إلى مقام الخشية هو الذي يؤهّل الإنسان للوصول إلى مقام الرضا قال تعالى: ﴿رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾5. إنَّ الطاعة المطلقة لله تعالى في كافَّة الأمور صغيرها وكبيرها هي التي تُوصل الإنسان إلى درجة الرضا، وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام: "إنَّ الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته فلا تستصغرنَّ شيئاً من طاعته فربَّما وافَق رضاه وأنت لا تعلم . . ."6. إذا كانت العلاقة كذلك بين الطاعة والرضا، فليعلَم المرتكِب للمعاصي، المبتعد عن طاعة الله، لا سيَّما في أيام الرحمة والمغفرة أنَّه بعيدٌ عن رضا الله، وليعلَم المطيع لله، الموفَّق للعمل بما يرضي الله أنَّه قريب من مقام الرضا، وقد ورد في الحديث القدسيّ أنَّ ذلك علامة الرضا، فعن موسى عليه السلام: "يا ربِّ أخبرني عن آية رضاك عن عبدك؟ فأوحى الله تعالى إليه: إذا رأيتني أهيّء عبدي لطاعتي وأصرفه عن معصيتي، فذلك آية رضاي"7. 1- الشورى:11. 2- الأعراف:156. 3- الأمالى - السيد المرتضى - ج1 ص 113. 4-الحجرات:17. 5-البينه:8. 6- الخصال - الشيخ الصدوق - ص 209. 7- بحار الأنوار - العلامه المجلسي - ج 67 ص 27. |