دعاء اليوم الثالث عشر "اللّهمَّ طهّرني فيه من الدنس والأقذار، وصبّرني فيه على كائنات الأقدار1، ووفّقني فيه للتقى وصحبة الأبرار، بعونك يا قرّة عين المساكين". تتحدَّث مفردات هذا الدعاء عن بعض الأخلاق المعنويّة التي ينبغي على المؤمن الذي يسعى إلى لقاء ربّه أن يتحلّى بها: الطهارة، الصبر، ولا يحصلان بحقّهما إلّا عندما يشعر برضا وقرَّة عين الله سبحانه. 1- الطهارة المعنوية يستقذر طبعك أيّها الإنسان من القذارات المادّية، فتشمئز نفسك بمجرّد أن تتصوّرها في ذهنك، ولكن هل يحدث ذلك معك في القذارات المعنويّة. يصف هذا الدعاء الذنب بالرجس والدَنَس، وذلك لأنّ هذا الذنب يُفسد العمل الذي يأتي به الإنسان، فالعمل الصالح يُصبح هباءً منثوراً لما يتّبِعَه من الذنب، إنَّنا نستطيع أن نشبّه هذا الذي يعمل الصالحات ثمَّ يُتبعها بالذنوب بمن يغتسل بماء صافٍ طاهرٍ زُلال، ثمَّ يدخل إلى مكان مليء بالأوساخ والقذارات، فلا ينفعه غسله ذاك، ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن لله ملكاً ينادي على بيت المقدس كلَّ ليلةٍ: من أكل حراماً لم يقبلِ اللهُ منه صرفاً ولا عدلاً، والصرفُ: النافلة، والعدلُ: الفريضة"2. إنّ أبرز صفةٍ وصف الله عزَّ وجلَّ بها أهل بيت نبيّه عليهم السلام بأنّهم مطهّرون من الذنوب، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا﴾3، فما هو هذا الرجس الذي أذهبه الله عنهم، إنّه العقيدة الباطلة والعمل السيّء، أي الذنب، ولذا كانت هذه الآية من أدلّة عصمة أهل البيت عليهم السلام. إنّ الواجبات والمستحبَّات هي من أسباب التطهير, لأنّها تغسل ذنوب العباد، ولا سيّما منها الإنفاق في سبيل الله تعالى، قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾4. 2- الصبر على المصائب كتب الله عزَّ وجلَّ على الإنسان في هذه الدنيا أن يُبتلى بالمصائب في النفس والأهل والمال والولد، وهذه المصائب منها ما يكون من الإنسان نفسه، فهو الذي يُوقع نفسه بها، ومنها ما يكون من الله اختباراً له ولمعرفة مدى إيمانه وثباته على الحقّ. ولكن كيف نتعامل مع هذا القدَر الذي يُصيبنا بنحوٍ نضمن به النجاح والفلاح، إنَّه الرضا بما قسمه الله لك، فلا تخرج عن الطاعة إلى المعصية، وهذا هو معنى الصبر على البلاء. في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "علامة الصابر في ثلاث: أوّلها أن لا يكسل، والثانية أن لا يضجر، والثالثة أن لا يشكو من ربه تعالى, لأنّه إذا كسل فقد ضيَّع الحقّ، وإذا ضجر لم يؤدِّ الشكر، وإذا شكا من ربِّه عزَّ وجلَّ فقد عصاه"5. يكفي أن تتأمَّل أيَّها الإنسان بأنَّك لو خرجت عن الصبر على البلاء، فإنّ ذلك لن يُغيّر شيئاً ممّا أنت عليه، فلن يرفع عنك ما ابتليت به، بل سوف تزداد خسارةً، فتخسر الدنيا والآخرة، وهذا ما أشارت إليه الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور"6. 3- الله عز وجل قرة عين المساكين إنَّ غرق هذا الإنسان بالمادّيات يجعله لا يرى في أيّ كلمةٍ يسمعها إلّا الأمور المادّية، فإذا سمع كلمة (المساكين) تصوّر من ذلك الفقير الذي لا يملك شيئا، فيَستعطي الناس. ولكنَّ هذا الإنسان ينسى نفسه، وأنّه لا يملك شيئا أمام ربِّ السموات والأرض، وأنّه مسكينٌ بأشدِّ أنواع المسكنة، بل إنَّ حاجته إلى الله عزَّ وجلَّ لا يُمكن أن تقاس بحاجة المسكين إلى المال ليأكل ويشرب. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى الله وَالله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾7. فأنت أيّها الإنسان مهما عمّرت في هذه الدنيا، ومهما جمعت من الأموال، وأصبحت الناس كلَّها تنقاد إليك، وأنت في غنىً عن الناس جميعاً، ولكن عليك أن تردِّد دائماً هذه العبارة الواردة في دعاء كميل: "أنا عبدك الضعيف الذليل الحقير المسكين المستكين". إنَّ أعظمَ مسكنةٍ هي عندما تقف بين يدي جبّار السموات والأرض في يوم الحساب، تبحث عما تستر به وجهك وأنت الخطّاء، وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أتدرون ما المفلس؟ فقيل: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع له، فقال: المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ ويأتي قد شتَمَ وقذَفَ هذا، وأكلَ مال هذا، وسفكَ دم هذا، وضربَ هذا، فيُعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار"8 "بل قد يقال: إن المفلس حقيقة هو هذا"9. إنّه من لم يتزوَّد ليوم القيامة، فيأتي خالي الوفاض، لا يرى أمامه من مفرٍ سوى العذاب الإلهيّ الأبديّ. 1- كائنات الأقدار: البلاءات المكتوبة والمقدرة على الإنسان. 2- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج3 ص1803. 3- الأحزاب:33. 4- التوبة:103. 5- علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج2 ص498. 6- الكافي - الشيخ الكليني - ج3 ص261. 7- فاطر:15. 8- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج69 ص6. 9- م.ن, عبارة العلامة المجلسي قدس سره. |