دعاء اليوم الثالث والعشرين "اللّهمَّ اغسلني فيه من الذنوب، وطهّرني فيه من العيوب، وامتحن قلبي فيه بتقوى القلوب، يا مقيل عثرات المذنبين". تتحدَّث فقرات هذا الدعاء عن نوعٍ آخر من الطهارة وهي طهارة الباطن والقلب، كما تتحدّث عن غسلٍ بغير الماء. ثم تشير إلى امتحان القلوب الذي هو سنّة إلهيّة. 1- الطهارة الباطنية لا تُختصر حياة هذا الإنسان بالحياة المادّية، بل للإنسان باطنٌ يحرّكه في هذه الحياة، وهو معيار سعادته وشقائه، فامتلاك المال وإن كان سبباً من أسباب السعادة، ولكنَّه ليس سبباً تاماً، ولذا تجد أنَّ بعض من يمتلك المال، ويغرق في النعم المادّية، يعيش الحرمان المعنويّ، فتراه يائساً مكتئباً، وتجد أنَّ من لا يمتلك من المال إلّا قوت يومه، يعيش السعادة والروح المتألِّقة والفرِحَة. إذا كما ينبغي على الإنسان أن يهتمَّ بالظاهر، فيحافظ على طهارة بدنه، كما حثَّ الإسلام عليه، فإنّ عليه أن يهتمَّ بالباطن والروح، فيسعى للحفاظ على طهارتها، وكما أنَّ للجسد غسل، فلروح غسل، وكما أنَّ غسل الجسد موجبٌ لزوال النجاسات المادّية، فإنّ غسل الروح موجبٌ لزوال النجاسات المعنويّة. إنَّ النجاسات المعنويّة والباطنيّة، هي عبارة عن الذنوب ومساوئ الأخلاق، وفي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ للجسم ستّة أحوال: الصحّة، والمرض، والموت، والحياة، والنوم، واليقظة، وكذلك الروح، فحياتها علمها، وموتها جهلها، ومرضها شكّها، وصحّتها يقينها، ونومها غفلتها، ويقظتها حفظها"1. وقد وردت العديد من الروايات التي تتحدَّث عن الذنوب وعن تطهير النفس من هذه الذنوب، ولكن ما هو نوع الغسل الذي يُطهّر الإنسان من الذنب؟ أ- الإيمان: فالإيمان موجبٌ لاغتسال الإنسان من الشرك، ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك"2. ب- الصدقة: فهي موجبة للطهارة من الذنوب قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾3. ج- تقوى الله: أي الاجتناب عن محارم الله عزَّ وجلَّ ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ تقوى الله دواء داء قلوبكم... وطهور دنس أنفسكم"4. د - التوبة: فإنّها أفضل غسل للذنوب، في الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "التوبة تطهّر القلوب وتغسل الذنوب"5. 2- سنة الامتحان الإلهي إنَّ من السنَن الإلهيّة التي جعلها الله على عباده سنّة الابتلاء، وهو امتحان أراد الله به أن يختبر عباده، فمن نجح في هذا الامتحان كُتب له الفوز والنجاة، ومن أخفق كان نصيبه العذاب الأخرويّ. وهذا الابتلاء الذي تتحدَّث عنه فقرات هذا الدعاء ليس هو الابتلاء المُتعارف بين الناس من الموت والمرض والأذى. بل هو ابتلاء أعظم، إنَّه الابتلاء بالاختيار بين الإيمان والكفر، بين الطاعة والعصيان. وكما وردت الروايات بالحثّ على الصبر عند الابتلاء بالمصائب من موت عزيزٍ أو مرض أو نحو ذلك، وردت بالحثِّ على الصبر في هذا النوع من البلاء، فالصبر يكون أيضاً على طاعة الله، والصبر يكون عن معصية الله أيضاً. فعن الإمام عليّ عليه السلام: "الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل، وأحسن من ذلك الصبر عندما حرّم الله عزَّ وجلَّ عليك"6. فالنفس تدعو الإنسان إلى ما ترغب به، فهي أمّارة بالسوء، والصابر هو الذي يخالفها ولا يطيعها، مهما كانت الظروف المحيطة به، بل كلَّما اشتدت البيئة التي تدعو الإنسان إلى المعصية كلَّما ازدادت الحاجة إلى أن يتحلَّى أكثر بالصبر. إنَّ الصبر عن المعصية هو الموجب لاتّصاف الإنسان بصفات المؤمنين، من العفّة والورع والسداد، ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الصبر عن الشهوة عفّة، وعن الغضب نجدة، وعن المعصية ورع"7. 1- التوحيد - الشيخ الصدوق - ص 300. 2- نهج البلاغة، باب الحكم، الحكمة 252. 3- التوبة:103. 4- نهج البلاغة، باب الخطب، الخطبة 198. 5- جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 14 ص 328. 6- نهج البلاغة، باب الحكم، الحكمة، 55. 7- جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 14 ص 91. |