دعاء اليوم الثاني عشر
"اللّهمَّ زيّني فيه
بالستر والعفاف واسترني
بلباس القنوع والكفاف
واحملني فيه على العدل
والإنصاف وآمنّي فيه من
كل ما أخاف، بعصمتك يا
عصمة الخائفين".
إنّ أجمل الخصال التي
يتحلّى بها الإنسان
المؤمن هي: العفاف،
والكفاف، والانصاف، وهذا
ما تعرض له هذا الدعاء.
1- العفاف
العفاف هو الامتناع،
فالشخص العفيف هو الشخص
الذي يَميل ويرغب في
الشيء، ولكنَّه وبقوّة
إرادته يمتنع عنه فيكون
قد عفّ عنه.
وقد ورد في الآداب
الإسلاميَّة الحثُّ على
العفاف وذلك من ناحيتين:
أ- الكفُّ عن الحرام
فإنَّ الإنسان الذي يصبر
على شهواته، فلا يدعها
تسير به إلى حيث لا يرضى
الله عزَّ وجلَّ، هو الذي
يكون عفيفاً، وقد ورد عن
الإمام الباقر عليه
السلام لرجل قال له:
"إنّي ضعيف العمل قليل
الصيام، ولكنّي أرجو أن
لا آكل إلّا حلالاً، قال
عليه السلام: أيّ
الاجتهاد أفضل من عفّة
بطن وفرج؟!"1.
فيا أيّها الصائم الذي
يحرم نفسه ويُعفّها عن
الطعام والشراب، امتثالا
لأمر الله عزَّ وجلَّ،
اغتنم فرصة هذا الشهر
الكريم، لتجعل نفسك أقوى
على أن تعفّ عن المعاصي
كلّها في هذا الشهر،
لترتقي به لتصبح عفيفاً
في باقي الشهور أيضاً.
ب- الاستغناء عن الناس
قال تعالى: ﴿لِلفُقَرَاءِ
الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي
سَبِيلِ الله لاَ
يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً
فِي الأَرْضِ
يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ
أَغْنِيَاءَ مِنْ
التَّعَفُّفِ
تَعْرِفُهُمْ
بِسِيمَاهُمْ لاَ
يَسْأَلُونَ الناسَ
إِلْحَافاً وَمَا
تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ
فَإِنَّ الله بِهِ
عَلِيمٌ﴾2.
إنَّه العفاف الذي يمنع
الإنسان من سؤال الناس
مهما بلغت به الحاجة،
حتَّى أنّ الناس لا تظنّ
أنّه يعاني الفقر، أو
أنّه بحاجة إلى الناس،
إنَّه شخص أكرم نفسه عن
أن تتعلَّق بغير الله،
ولذا كان من الأشراف على
الرغم من فقره، وقد ورد
عن الإمام علي عليه
السلام قوله: "عليك
بالعفاف، فإنّه أفضل شيم
الأشراف"3.
إنَّ السبب الذي يُوصل
الإنسان إلى هذا العفاف
مضافاً إلى معرفة قدر
نفسه، واحترامه لها، أن
يكون قنوعاً بما قسم الله
له من الرزق، وأن لا
يتعلَّق بأحدٍ غير الله
عزَّ وجلَّ، ولذا ورد في
الرواية عن الإمام عليّ
عليه السلام: "من قنُعتْ
نفسُه أعانته على النزاهة
والعفاف"4.
2- القناعة والكفاف
إنّ أفضل تعبيرٍ عن
أهميَّة القناعة هو الذي
ورد في هذا الدعاء، حيث
عبّر عن القناعة بأنَّها
ستر لهذا الإنسان، لأنَّه
مهما بلغت به الحاجة، فإن
اقتنع بما لديه، فلن يمدّ
يده إلى الحرام، كما
أنَّه لن يمدّ يده إلى
الناس طالباً ومحتاجاً.
إنَّ ثلاث خصالٍ وردت في
هذا الدعاء هي (العفاف،
القناعة والكفاف) هي من
علامة حبِّ الله للإنسان،
فإنَّ الله يهبها لمن
يحبّه، ففي الرواية عن
الإمام الصادق عليه
السلام: "إذا أحبّ الله
تعالى عبداً ألهمه
الطاعة، وألزمه القناعة،
وفقهّه في الدّين، وقوّاه
باليقين، فاكتفى بالكفاف،
واكتسى بالعفاف"5.
3- العدل والإنصاف
العدل والإنصاف معنيان
مترادفان، إنّه إعطاء
كلِّ ذي حقٍ حقَّه، فلا
تحرم أحداً حقَّاً في
يدك، ولا يرتبط ذلك
بالأموال أو المادّيات
فقط، بل حتّى ما يستحقَّه
من الإكرام والتعظيم.
إنَّ أفضلَ علاجٍ تتمكَّن
من خلاله من مراعاة حقوق
الآخرين هو أن تضع نفسك
مكان غيرك، فتنظر هل
تحبُّ أن يظلمك الآخرون،
أو أن يكون حقَّك
مهضوما؟! لا شكّ في أنَّ
النفس تأبى ذلك، فعليك أن
تأبى لغيرك ما تأباه
لنفسك.
إنَّ العاقل هو الذي يسلك
هذا السبيل، فقد ورد في
الرواية عن الإمام الجواد
عليه السلام: "حسب
المرء... من عقله إنصافه
من نفسه... ومن إنصافه
قبوله الحقَّ إذا بان
له"6.
كما أنّ الإنصاف يصبح
أكثر أهميّة وأكثر
إكراماً للإنسان إذا كان
عن مقدرةٍ، ففي الرواية
عن أمير المؤمنين عليه
السلام: "زكاة القدرة
الإنصاف"7.
وللإنصاف آثار على حياة
الإنسان في هذه الدنيا
وردت بها الروايات،
كالإلفة بين الناس, لأنّ
الناس تميل إلى من يُراعي
حقها، واستدامة المحبَّة،
فإنّ المحبَّ لك يدوم
حبّه متى شهد منك إحقاقك
لحقّه. ودوام القدرة،
فإنَّ الله لا يدع الظالم
غير المنصف للناس على
حاله من القوّة والقدرة،
بل بالعدل يكون دوام
السلطان.
نعم، علينا أن نعلمَ أنَّ
فوق الإنصاف مرتبةٌ أخرى
هي الإيثار، وأنَّ على
الإنسان أن يكون من
المؤثرين على أنفسهم
حتَّى وإن كان يعيش
الحاجة، كما نزلت الآية
بحقّ أهل بيت العصمة
والطهارة ﴿وَيُؤْثِرُونَ
عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ
كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ﴾8.
1- الكافي - الشيخ
الكليني - ج2 ص 79.
2- البقرة:273.
3- جامع أحاديث الشيعه -
السيد البروجردي - ج14 ص
277.
4- جامع أحاديث الشيعه -
السيد البروجردي - ج8 ص
465.
5- بحار الأنوار -
العلامة المجلسي - ج100 ص
26.
6- بحار الأنوار -
العلامة المجلسي - ج75 ص
80.
7- عيون الحكم والمواعظ -
علي بن محمد الليثي
الواسطي - ص 275.
8- الحشر:9. |