النبيّ صلى الله عليه وآله يخبر علياً بشهادته
لقد أخبر النبي صلّى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام بما يجري عليه، فقد جاء عنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال لعلي عليه السلام: "يا عليّ مَن أشقى الأولين والآخرين؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أشقى الأولين عاقر النّاقة، وأشقى الآخرين الذي يطعُنُك يا عليّ، وأشار إلى حيثُ يُطعن1.
وفي آخر خطبته صلّى الله عليه وآله في فضل شهر رمضان، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قام فقال: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّ وجلّ، ثمّ بكى، فقلت: يا رسول الله ما يُبكيك؟ فقال: يا عليّ أبكي لما يُستحلّ منك في هذا الشهر، كأنّي بك وأنت تصلي لربِّك وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة على قرنك فخضَّب منها لحيتك، قال أمير المؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟ فقال: صلّى الله عليه وآله: في سلامة من دينك2.
نعم، إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يعرف قاتله، وقد نقل الرواة والمؤرِّخون عنه أنّه كان يحذِّر ابن ملجم من عاقبة أمره، فقد روى الشيخ المفيد أنّ ابن ملجم أتى أمير المؤمنين عليه السلام فبايعه فيمن بايع، ثمّ أدبر عنه، فدعاه أمير المؤمنين عليه السلام فتوثّق منه وتوكّد عليه أن لا يغدر ولا ينكث، ففعل، ثمّ أدبر عنه، فدعاه الثانية فتوثّق منه وتوكّد عليه ألّا يغدر ولا ينكث، ففعل، ثمّ أدبر عنه، فدعاه أمير المؤمنين الثالثة فتوثّق منه وتوكّد عليه أن لا يغدر ولا ينكث، فقال ابن ملجم لعنه الله: والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحدٍ غيري، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:
أريد حباءَه ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد امض يا ابن ملجم فَوَالله ما أرى أن تفي بما قلت3.
عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرضا عليه السلام: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد عرف قاتله، والليلة التي يقتل فيها، والموضع الذي يقتل فيه، وقوله لمّا سمع صياح الإوز في الدار: صوائح تتبعها نوائح، وقول أمّ كلثوم: لو صلّيت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلِّي بالناس، فأبى عليها، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح، وقد عَرف عليه السلام أنّ ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف، كان هذا مما لم يجز تعرّضه! فقال: ذلك كان، ولكنّه خُيِّرَ في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عزّ وجلّ4. .
وهكذا... مضت مقادير الله تعالى في وصيّ رسوله صلّى الله عليه وآله، ومضى شهيداً صابراً محتسباً، في شهر رمضان، في إحدى ليالي القدر المبارك.
* راجع: شهيد المحراب-مقتل أمير المؤمنين ع، معهد سيد الشهداء ع للمنبر الحسيني، ط1، ص5-8.
1- ابن سعد: الطبقات الكبرى ج 3 ص 35.
2- الصدوق: الأمالي ص 155.
3- المفيد: الإرشاد، ج1، ص12.
4- الكليني: الكافي، ج1، ص 259.
|